الانتخابات المقبلة بين رهان التجديد وحدود الإصلاح السياسي

وادنون تيفي13 ديسمبر 2025
الانتخابات المقبلة بين رهان التجديد وحدود الإصلاح السياسي
محمد بن الحسن الداودي

مع اقتراب موعد الانتخابات المقبلة، يعود النقاش السياسي إلى الواجهة بقوة، خاصة في ظل القوانين الجديدة المنظمة للعملية الانتخابية، والتي انقسمت حولها الآراء بين من يراها فرصة حقيقية لتجديد النخب وإعادة الثقة في المؤسسات، ومن يعتبرها مجرد حلول ظرفية لا ترقى إلى معالجة الأزمات البنيوية التي تعاني منها الحياة السياسية.

هذا الجدل لا يقتصر على الجوانب التقنية للتشريع الانتخابي، بل يتجاوزها إلى أسئلة أعمق تتعلق بجدوى المشاركة السياسية نفسها، ومدى قدرة هذه القوانين على إقناع المواطن، خصوصاً الشباب، بأن صوته ما يزال قادراً على إحداث الفرق، في ظل تصاعد منسوب العزوف واللامبالاة.

القوانين التي صادق عليها البرلمان مؤخراً، ورغم ما تحمله من إشارات إلى الاستقرار المؤسساتي وموازنة التمثيلية الحزبية، لم تسلم من الانتقادات. فالحفاظ على آليات مثل القاسم الانتخابي، وإن كان يضمن نوعاً من التوازن بين الأحزاب، إلا أنه في المقابل لم يقدم حلولاً جذرية لإشكالات جوهرية، من قبيل الحد من تأثير المال الانتخابي، أو توسيع قاعدة المشاركة الفعلية للشباب والنساء، أو تعزيز آليات النزاهة والشفافية.

في هذا السياق، يبرز تساؤل مركزي حول وظيفة القانون الانتخابي: هل هو مجرد أداة لتنظيم التنافس السياسي وضبط موازين القوى، أم مدخل حقيقي لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع؟ وهل تكفي النصوص القانونية وحدها لتجاوز حالة الإحباط المتراكمة لدى فئات واسعة من المواطنين؟

الشباب، الذين يشكلون الكتلة الديمغرافية الأكبر، يظلون الحلقة الأضعف في المعادلة السياسية. فبالرغم من الخطاب المتكرر حول ضرورة إشراكهم، ما تزال الأحزاب عاجزة عن تحويل هذا الشعار إلى ممارسة فعلية، بسبب استمرار هيمنة النخب التقليدية ومنطق الولاءات الداخلية، وضعف الديمقراطية الحزبية في اختيار المرشحين وصناعة القرار.

الرهان الحقيقي لا يتوقف عند تنظيم الانتخابات، بل يتجاوز ذلك إلى إعادة الاعتبار للعمل السياسي نفسه. فالتخليق السياسي لم يعد شعاراً ظرفياً، بل ضرورة ملحّة تفرضها التحديات الاجتماعية والاقتصادية، ويشمل ذلك تعزيز آليات المحاسبة، ومحاربة الفساد، وترسيخ ثقافة المواطنة، وربط المسؤولية بالنتائج.

كما أن التوتر القائم بين الأغلبية والمعارضة لا ينعكس فقط في النقاش التشريعي، بل يظهر أيضاً في تدبير المجالس المنتخبة، حيث تعاني العديد من الجماعات والجهات من هشاشة الأغلبيات وصعوبة اتخاذ القرار، ما ينعكس سلباً على التنمية المحلية وجودة الخدمات، ويغذي بدوره فقدان الثقة في العمل الانتخابي.

في المحصلة، تشكل الانتخابات المقبلة اختباراً حقيقياً للنظام السياسي وللنخب الحزبية على حد سواء. فهي إما أن تكون محطة لإعادة الاعتبار للمشاركة السياسية وبناء تعاقد جديد مع المواطن، أو مجرد استحقاق عابر يعمق الفجوة بين المجتمع والمؤسسات. والفيصل في ذلك لن يكون في النصوص وحدها، بل في الإرادة السياسية، ومصداقية الفاعلين، وقدرتهم على تحويل القوانين إلى ممارسة ديمقراطية حقيقية.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.