السياحة كآلية لتمكين المرأة بالجماعة القروية أسرير إقليم كلميم

وادنون تيفي17 نوفمبر 2023
السياحة كآلية لتمكين المرأة بالجماعة القروية أسرير إقليم كلميم
وادنون تيفي:مليكة أيت ناصر

 

إن التنمية المحلية، رغبة منها في تحسين ظروف حياة المرأة القروية، تدعم تمكين هذه الأخيرة، رغم الاختلاف في مفهوم التنمية المحلية كسياسة وطنية للإدماج الديناميكي للمناطق التي تعتبر فقيرة أو كإستراتيجية جماعية تقدم حلولاً للخلل الوظيفي، حيث تهيمن المرأة القروية في الغالب على فن الطهي والمعرفة المحلية والأنشطة الحرفية، الأمر الذي يتطلب إنشاء تعاونيات وجمعيات نسائية مكرسة ليس فقط للإنتاج، ولكن أيضًا لتحسين الظروف الإجتماعية والإقتصادية للمرأة القروية، وفي هذا السياق، فإن إحداث الجمعيات والتعاونيات النسوية بالجماعة القروية أسرير بإقليم كلميم يعد مثالا ملموسا على تمكين المرأة القروية، ويستحق إعتباره نموذجا مرجعيا لباقي الجماعات القروية بالإقليم.

يمكن ببساطة تصور التنمية المحلية على أنها مشروع يهدف، في مبادئه، إلى خلق تآزر بين إمكانات الإقليم (الموارد الطبيعية)، والعلاقات الاجتماعية (ديناميكية الجهات الفاعلة، والثروة الثقافية للسكان المحليين، والمعايير، وما إلى ذلك)، والتنظيم المؤسسي في توجهاته التخطيطية الإقليمية (البنى التحتية للاتصالات، والتوجهات الاقتصادية الكبرى، وبرامج محددة لأجزاء معينة من الإقليم مثل المناطق القروية)، ووفقاً لشوفالييه (1999)، فإن تطوير المشروع التنموي يتم تحديده بناءً على صعوبتين هما: تحديد العنصر الذي يتم حوله تنفيذ خطة التنمية؛ ويتجلى ذلك بوضوح في القيود المرتبطة بكل من تحديد أخطاء الخلل والاقتراح المناسب للوسائل الواجب تنفيذها من أجل حل الوضع، أما الصعوبة الثانية، فهي تتعلق بالمهمة المؤسسية، وتصل إلى مستوى مرحلة تنفيذ المشروع التي تتطلب إطارا مؤسسيا يسهل تنفيذ خطط العمل وبالتالي تقاسم المسؤوليات بين الفاعلين المعنيين، وكمثال على المشروع، يوفر الاقتصاد التضامني حلا واحدا من بين حلول أخرى؛ مع الإشارة إلى أنها تستدعي العديد من العوامل البشرية والثقافية والاقتصادية، فإنها تسعى إلى إشراك العديد من الجهات الفاعلة ذات الملامح المهنية المتباينة حول المشاريع التي تضع السكان الضعفاء في مركز اهتماماتها .

إن تمكين المرأة يعزز التنمية المحلية من خلال الوعي بعدم المساواة التعسفية وعدم المساواة الإقتصادية في المناطق القروية، ومن أجل مواطنة أكثر حرية واستقلالية، تضمن حرية الإختيار والمشاركة في صنع القرار في بيئة مساواتية وقيم ثقافية تحررية وإدارة أفضل لنمو السياحة، و تمثل المشاريع التعاونية، ضمن شروط سيتم تحديدها، وسيلة جيدة لإدماج المرأة في ممارسة نشاط مدفوع الأجر يتيح لها أيضا اتخاذ القرارات والحصول على وضع إجتماعي مختلف، والحقيقة هي أن العديد من التعاونيات تدعو إلى تحسين وضع المرأة، من خلال السماح لها بمغادرة منازلها، وتعلم القراءة والكتابة، والحصول على وظيفة ودخل، حتى ولو كان متواضعا، ولذلك، فإن الأشكال المختلفة لممارسة الإقتصاد الاجتماعي والتضامني تسمح للمرأة بتجاوز ضعفها، والمساهمة في تنمية مجتمعاتها، فالجمعيات النسائية لا تشكل مكانًا للنساء للحصول على إستقلال إقتصادي معين فحسب، بل تشكل مساحة حقيقية للحرية والتبادل تسمح للنساء بالهروب من العزلة واكتساب مهارات جديدة.

وفقا الاستطلاع شمل أصحاب المصلحة المحليين، فإن جماعة أسرير (28 كم من المركز) هي الجماعة القروية الأكثر استغلالا من حيث المشاريع السياحية، وهي تنافس ليس فقط على المستوى القروي، إذا أخذنا مثال الجماعة القروية “أباينو” الأقرب إلى المركز (15 كلم من المركز) وفاصك (25 كلم من المركز)، بل تنافس أيضا الجماعة الحضرية في الإقليم، وهذا يدل على أن القرب الجغرافي من المركز لا يفسر وجود أو غياب المشاريع السياحية.

تتوفر جماعة فاصك وأمتضي على الفرص السياحية التي تسمح بإنشاء مساحات سياحية تقوم بتثمين المنتجات المحلية لتنمية السياحة البيئية وترويج المنتج السياحي للسياحة الزراعية والحرف اليدوية، إلا أن الفقر بالجماعتين القرويتين يرتبط بغياب الأنشطة الاقتصادية وفقر الزراعة وسوء استغلال الموارد الطبيعية الغنية، وهو ما يظل تفسيرا للتناقض بين وفرة الموارد السياحية والطبيعية، إلا أنه لا ينبغي أن تكون الظروف الاجتماعية والاقتصادية للمرأة القروية مقيدة بالسياق الجغرافي، بل بقرب الخدمات و”الجهات الفاعلة” وإدماج المرأة في مشاريع الاقتصاد الاجتماعي.

 العلاقة بين السياحة القروية والمرأة القروية في أسرير

يستهدف هذا الشكل من السياحة عمومًا العملاء الجمعياتيين الذين لديهم حساسية لمشاكل تنمية المجتمع، ومع ذلك، يفضل السياح السياحة القروية في إطار خلق روابط إجتماعية وثقافية مع السكان المحليين كإكتشاف للإنسان في طبيعته وقيمه، وتعد المنتجات المحلية في القطاعات الزراعية جزءًا من العناصر المكونة للطلب على السياحة القروية، ويعتمد فن الطهي المحلي، باعتباره منتجا سياحيا، أيضا على إنتاج منتجات محلية مرتبطة بخبرة المرأة القروية.

وكجزء من تقاسم المصالح بين المشروع وبيئته، فإن تبادل الخدمات بين الوحدات الإقتصادية ومحترفي السياحة المحليين يعبر عن العوامل الخارجية الإقتصادية الإيجابية التي يمكن أن يولدها مشروع سياحي، حيث تدمج وحدة الإيواء السياحي “Gîte Maison Nomades” بجماعة أسرير فلسفة تقاسم المصالح، فبالإضافة الى حشدها للعديد من الأنشطة المحلية، تستخدم مهارات الطبخ المحلية (النساء المحليات) من أجل تلبية متطلبات السياح من فن الطهي المحلي الذي تغذيه منتجات التعاونيات النسائية من المنتجات المحلية مثل الكسكس والمكلي (دقيق الشعير المحمص) والعسل وزيت الاركان والتمر، والفواكه والخضروات الطبيعية(bio) التي يزرعها السكان المحليون والتي تشكل مصدر الغذاء لتقديم الطعام في دار الضيافة، بالإضافة الى منتجات الحرف اليدوية مثل الخيمة والسجاد وكذلك الأدوات من التعاونيات النسائية والحرفيين المحليين.. باختصار، إن الترابط بين المشروع السياحي والجهات الفاعلة الثانوية الأخرى يعزز التبادلات الاقتصادية ذهابًا وإيابًا والتي تشمل مهارات النساء المحليات، حيث يكون مفهوم المنفعة المتبادلة هو الأكثر سيادة.

أمثلة على المشاريع المخصصة لتمكين المرأة القروية بإقليم كلميم:

_بناء وحدة كبيرة للمنتجات المشتقة من الصبار بقيادة التعاونية النسائية لواحة تيغمرت.
_بناء دار الفرحة لصناعة السجاد التقليدي على مساحة واسعة لفائدة جمعية نساء القافلة التعاونية وإنشاء نقطة بيع للمنتجات المحلية.
_إنشاء تعاونية نساء القافلة في مايو 2009، وتشمل أنشطتها الاقتصادية التضامنية الرئيسية إنتاج المنتجات الحرفية المحلية (الخيام والسجاد الصحراوي)، وبدعم من الجهات الفاعلة المحلية والمنظمات غير الحكومية، ومن أجل تنويع إنتاجها، تضيف نساء التعاونية إلى نشاطهن إنتاج مستحضرات التجميل الطبيعية التي تستخدمها المرأة الصحراوية، و تشارك هذه الجمعية في لقاءات محلية (معرض حرفي، معرض فلاحي، معرض سياحي) و لقاءات دولية لترويج منتوجات التعاونية و الثقافة الحسانية (شاي، رقص، ملابس). مثل حضورها في “أسبوع الثقافة الإسلامية” “Settimana del Cultura Islamica” الذي انعقد في روما-إيطاليا، في الفترة من 19 إلى 28 مايو 2012، ويتم ترويج وتسويق منتجات التعاونية من خلال البيع المباشر للسياح من الوحدات السياحية المحلية أو كزائرين للتعاونية التي تم إدخالها بالفعل إلى الدائرة السياحية لجماعة أسرير، باعتبارها عضوًا في جمعية COS، هاته الأخيرة تضمن الإدارة ومبيعات المنتجات والتدريب للتعاونية، و تدين التعاونية بنجاحها ليس فقط لخبرتها في الصناعة اليدوية، والعمل الجماعي لأعضاء التعاونية، والشبكات المنشأة، وخبرات وأصول الجماعة، ولكن أيضًا لالتزام الجهات الفاعلة المحلية التي ولدت هذه التعاونية ومشاركتهم في متابعة تطورها نحو ريادة الأعمال.
_ إنشاء مجمع واحة الصحراء (COS) عام 2011 وهو مشروع فريد من نوعه في المملكة، حيث تجمع جمعية واحة الصحراء (COS) مجموعة من التعاونيات النسائية التي نشاطها الأساسي هو أي منتج محلي (العسل، الكسكس، الزيت، بلح..)، لحل مشاكل الجودة والتعبئة والتسويق للمنتجات المحلية المعزولة في مكان إنتاجها مع كل ما يتراكم من مشاكل في بيع هذا المنتج.
_ إنشاء مجموعة المصالح الاقتصادية، المسماة “Artisanat du Maroc Saharen” بفضل مساهمة برنامج التنمية الترابية المستدامة لأقاليم الجنوب (POS) بقيادة وكالة الجنوب وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي والدعم. شركاء برنامج التنمية الألفية للثقافة (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، اليونسكو، منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية، هيئة الأمم المتحدة للمرأة، صندوق الأمم المتحدة للسكان). ويساهم هذا المشروع في تعزيز العمل النسائي وتعزيز المعرفة المحلية في مجال الإنتاج الحرفي، و تتكون GIE من 4 تعاونيات لصناعة السلال في آقا، وجمعيتين متخصصتين في صناعة الخيام في أسرير وآسا، وجمعية تعاونية متخصصة في صناعة السلال والسجاد في آسا وتترأسها رئيسة تعاونية القافلة (بجماعة أسرير) لمهاراتها في إدارة أنشطة التعاونية وخبراتها في التواصل، و تحتوي GIE، ضمن إطارها القانوني، على سجل تجاري (RC) يسمح بتسويق منتجاتها والطلبات الكبيرة من العملاء الأجانب والوطنيين.

إن إنشاء السياحة القروية لن يشكل بأي حال من الأحوال نشاطا اقتصاديا منفردا للمنطقة، بل هو نشاط تكميلي يندرج في إطار مشروع للتنمية المحلية، وسيشكل نشاطًا مدرًا للدخل من أجل الإستجابة للتغيرات في السياق الإجتماعي والإقتصادي المحلي والإقليمي الذي يتطلب إعادة تموضع جديد للمناطق الصحراوية في مساهمتها في النهوض الإجتماعي والإقتصادي لسكانها، ورغم ذلك، فإن النشاط السياحي يحقق في تنفيذه في المشاريع المرتقبة مجموعة من المعايير المستوحاة من إستدامة النشاط السياحي. فهو، من ناحية، يحافظ على التنوع البيولوجي ويحمي التراث الثقافي المادي وغير المادي ليس بهدف “إضفاء الطابع الفولكلوري” على الثروة الثقافية، ولكن للمساهمة في تثمينها وإيصالها والحفاظ عليها للأجيال القادمة، ومن ناحية أخرى، تساهم العدالة الإجتماعية في البحث عن توزيع واسع وعادل للمنافع الإجتماعية والإقتصادية للسياحة للمجتمع المحلي في تحسين فرص العمل من خلال دمج المرأة القروية في التعاونيات والجمعيات النسائية، وهكذا فإن إنشاء التعاونيات يشجع النساء في جماعة أسرير القروية على المشاركة في صنع القرار في دوار هذه الجماعة، والملاحظ ان المرأة بهذه الجماعة إنتقلت من مرحلة المساعدة إلى مرحلة ريادة الأعمال كتعاونية الكسكس والخيام التي تمكنت من إنشاء مشروعها الخاص.
وختاما، تعمل المشاركة في المشاريع والإجتماعات والبرامج على تغيير وضع المرأة التي تصبح أكثر إستقلالية ومشاركة فعالة في الحياة السياسية من أجل تطوير خطة التنمية المجتمعية (PCD)، فالمرأة لم يكن لها وجود في النسيج الإجتماعي والإقتصادي والسياسي قبل عام 2007.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.