التربية التي تتلقاها الأنثى في مجتمعاتنا العربية هي سلسلة متواصلة من المحظورات والعيب والحرام، ممنوعات تقتل شخصية الفتاة وعقلها قتلا بطيئا فلا تتجرأ على إعطاء رأيها أمام الآخر ولا التعبير عن رغباتها بأريحية، لأن هذا ما برمجت عليه منذ نعومة الأظافر وماتشربته مع حليب ثدي أمها.
حينما تكبر الفتاة تجد صعوبة في فرض شخصيتها وسط هذا المجتمع المتشبع بعادات وافكار لا اساس لها من الصحة، ويصعب عليها التأقلم مع موجات الحياة، والتعايش وتقبل وجود مرضى نفسيين مزاجيين في محيطها إن كانت لها رغبات جامحة، ولا تتقن دور الضحية الضعيفة الذي رسموه لها، فيرونها متمردة سفيهة رغم ان كل ما تتوق اليه هو إعلان وجودها وإثبات ذاتها وحرية لكلماتها وآرائها.
ورغم كل التطور الذي عرفته المجتمعات العربية إلا أن الأنثى لازالت مرهونة بنظرة الاخرين ولا تستطيع تجاوز سقف طموحها خوفا من كلمة أو تعبير يحطم كيانها، تجدها تتحمل كل شيء وتصبر عليه غير ان نظرة نقص واحدة لها قادرة على بعثرة أوراقها وشقلبة حساباتها، مجتمع لايمكن ان نقول عنه ذكوريا بقدر ماهو مجتمع مقيد بأغلال وأصفاد الفكر القديم والذي لا يجابه عصرنا الحالي، في بعض الاحيان يفرض عليها ان تتقبل أفكاره العتيقة دون نقاش ولايعطي لها حق إبداء رأيها!
وهكذا ينتهي بها الحال، تحت تأثير هذه القوالب، بأن تكون غير قادرة على إكتشاف نفسها ومهاراتها ، وكبت رغباتها الشخصية لتشعر بأنها طبيعية، كما تنتهي العلاقات بموازين قوى مختلة، يحصل فيها الرجل على كامل القوة والقدرة على إتخاذ القرارات، وتوجيه العلاقة بشكل واضح وصريح، بينما تظل المرأة كطرف آخر منتظراً لقرار أو لمبادرة، لأن المجتمع وزع عليهما هذين الدورين، وبقي الحال ثابتا هكذا.
والتحامل على المرأة ليس في مؤسسة الزواج فقط، وإنما في مجمل جوانب الحياة عموما، فتتحامل عليها أسرتها و المجتمع الذي تعيش فيه، وتكبر لتعلم أن هنالك دائما أصابعا تشير عليها بأنها مخطئة، وأن عليها ألا تفعل هذا ولا ذاك، وإلا تحدث عنها الناس بالسوء، بل وإن تحملت جلد المجتمع لها وقررت العمل وتم التحرش بها فعليها أن تصمت لأن ملابسها هي السبب، وإن طلبت الطلاق من زوجها لعيوب فيه فعليها أن تحتمله فلا شيء يعيب الرجل سوى جيبه و”ظل رجل خير من ظل حائط”، وإن عادت إلى المنزل في ساعة متأخرة، فلا بد أنها كانت تفعل أشياء خاطئة.
على المرأة في زمننا هذا أن تعلم حقوقها وتقاتل من أجل الحصول عليها، وأن لا تسمح لأحد أن يسلبها إياها، حتى يتغير المجتمع أو يتغير الزمن، ولتعلم يقينا بأن لها حرية اختيار حياتها الخاصة، ولا حق لأحد سواها في ذلك،لأننا نحن معشر النساء أكثر تنوعاً واختلافاً وسعة مما تفرضه علينا الأنماط المجتمعية.