لا زالت صورة الأب الذي شارف على نهاية عقده الرابع، وهو يمسك بيد إبنته بحنان، بينما كانت ميتة تحت أنقاض في بيت والدته التي فقدها أيضا مع بنات إخوته وأبناء أخيه، جراء الزلزال الذي هزّ جنوبي تركيا ، عالقة بالأذهان.
مشهد الأب التركي المكلوم مسعود هانسر، وهو يرتدي سترة برتقالية ساكنا وسط الأنقاض، غير مبال بالمطر والبرد، وممسكا بيد ابنته “إرماك”، وما صاحبه من شعور بالعجز، بعدما أخفق في إستخراجها بيديه، لامس قلوب العالم، وكان صاحب الصورة، مصور وكالة فرانس بريس، آدم ألتان، قد لاحظ أن رجلا يبعد عنه 60 مترا، كان يمسك بيد ممتدة من بين الأنقاض، فبدأ حينها بتصوير المشهد؛ فهمس له الأب بصوت مرتجف “إلتقط صورا لطفلتي”.
وفي مقابلة مع صحيفة “بليد” (Bild) الألمانية قال هانسر: “كنت أعمل في المخبز عندما إهتزت الأرض، إتصلت بزوجتي التي قالت إنها وبناتي وإبني بخير، لكن إبنتي الصغرى كانت تنام في منزل جدتها لأنها أرادت أن تكون مع أبناء عمومتها”.
حاول هانسر بدون جدوى الإتصال بوالدته، لكنه لم يتلق أي رد، ليركض إلى منزلها، راجيا الله أن يكون جميع أفراد عائلته بخير، إلا أن الصدمة كانت أكبر من أن تُحتمل فقد إنهار المبنى المكون من 10 طوابق مما أسفر عن مقتل الفتاة “إرماك” و7 من أفراد العائلة.
وفي حوار آخر مع محطة التلفزيون التركية “تي في 100” (TV100)، قال إنه حزين لفقدان جميع أقاربه، لكن “فقدان إبنتي يكسر قلبي.. أنا على قيد الحياة، لكني أشعر أنني ميت من الداخل.. كانت ابنتي كل شيء في حياتي، لكنني فقدتها. كانت تناديني بابا، لقد كانت مثل الوردة شكلا ورائحة”.
ودّع هانسر أفراد عائلته السبعة إلى مثواهم الأخير في مقبرة حديثة في ضواحي كهرمان مرعش، تضمّ قبور أكثر من 3 آلاف شخص قضوا جراء الزلزال المدمر، وتظهر جميع القبور الحديثة تحت كومة من التراب الأحمر، وعلى كل منها علامة بسيطة بعضها أعمدة خشبية صغيرة والبعض الآخر يحمل اسم المتوفى، واختار بعض الأهالي تمييز بعض القبور بتذكارات بسيطة للضحايا، مثل الملابس وألعاب الأطفال والأعلام التركية وقطع من الأحجار التذكارية التي تم إنقاذها.
ويوجد قبر الفتاة “إرماك” في قطعة الأرض رقم 380، وقد وُضع في مقدمته عمود خشبي كُتب عليه اسمها بخط عريض، إلى جانب فرع صغير من شجرة صنوبر عالق في التربة، ويزورها والدها، الذي لا يزال يرتدي سترته البرتقالية، مرارا وتكرارا في الأيام الأخيرة أثناء حضوره جنازات أفراد عائلته الآخرين.
.