محجوبة عدي
لا زال وليد الكراكي وأشباله الذين تألق نجمهم في سماء مونديال قطر 2022 يمدوننا بالدروس منذ أول مباراة لهم به، هذه الدروس التي تتجاوز حدود الإرادة والتحدّي والصبر والإلتزام والإنضباط والتريّث والإختيار وإتخاذ القرار، الى الإنتصار للقيم الكبرى وعامل البناء النفسي الإيجابي الفعّال في مواجهة خصوم ومنافسين أقوى وأفضل من كل النواحي،وبعد أن كانت المنتخبات العربية تدخل المونديالات بعقلية المهزوم بسبب المقارنات النظرية ،قام أسود الأطلس بكل جرأة وثقة بالنفس بقلب الموازبن و خلط الحسابات ونسف حكاية التصنيفات وكسر عقدة الكرة العربية أمام الأجنبي، ودخلوا المنافسة العالمية بروح المنافس وبعقلية الفائز ، فنجحوا في تجاوز كل أدوار المونديال والتأهل الى نصف النهائي بعد تغلبهم على الدون ورفاقه .
أول درس منحه الركراكي للجميع ونجح فيه بفعالية كبيرة هو جعل “النية” عقيدة عناصر المنتخب و كل المتشائمين من المغاربة وغيرهم قبل بداية المونديال، وفجــر فيهم طاقة للثقة في النفس والإستقامة والقتالية و التوكل على الله وحده والإستعانة وحسن الظن به، و الحلم الجارف في الظفر بلقب المونديال، حتى أضحى يكنى بوليد “مول النية” والمثل الشعبي يقول “مول النية يربح” فالله عند حسن ظن عباده.
الدرس الآخر الذي منحه عناصر الكتيبة المغربية للجميع، هو أن حب الوطن لا يتجزأ و أن “تمغرابيت”توحد المغاربة مهما إختلفت البقاع التي ترعرعوا بها…قدموا كأنهم رسل أتوا لتعزيز الروح الوطنية والشعور بشرف الدفاع عن الوطن وسمعته والتضحية من أجله، وتمثيله على أحسن وجه وتشريف الشعب الذي يضع فيهم ثقته وينتظر منهم ان يعودوا بلقب او إنجاز رياضي يفاخر به الأمم الاخرى .
لا يختلف إثنان على أن لاعبي المنتخب الوطني بدون إستثناء، أبدوا قتالية وروحا وطنية عالية في سبيل إعلاء راية المغرب والدفاع عن القميص الوطني منذ مباراتهم الأولى في المونديال إلى غاية أمس والإطاحة بالبرتغال، بالرغم من القيمة السوقية المرتفعة لأغلب عناصرهم ويقينهم بأن أي إصابة خطيرة تعني التضيحة بمسارهم الكروي في نوادي الإحتراف، وهذا ما عبر عنه الناخب الوطني :”هؤلاء اللاعبين مستعدون للموت من أجل الفريق والخطة” .
درس آخر أهداه لنا أبناء وليد الركراكي على هيئة أجمل وأنبل صورة عن بر الوالدين وعشقهم، على حد قوله”عندي لعابة مرضيين الوالدين ربي ما غيخيبهمش ” فشاهد الملايير أعضاء الفريق يصطحبون آبائهم وأمهاتهم، بدل حبيباتهم وعشيقاتهم كما إعتدنا، ليتابعوهم عن كثب من على كراسي المشجعين ويهرعون لتقبيل رؤوسهم والتبرك بدعواتهم والإحتفال معهم عقب كل مباراة، مؤكدين بهذا التصرف أن بر الوالدين هو السر وراء إنتصاراتهم على أعتى المنتخبات بعد التوفيق من الله .
أما الإلتزام الديني لعناصر المنتخب، و سجدة الشكر فكانت أفضل درس في التعبير عن كل معاني الإيمان بالله، فتصدرت صورهم ساجدين بعد كل نشوة إنتصار، وقراءة الفاتحة قبيل ضربات الترجيح في مباراتهم ضد إسبانيا منصات التواصل ولاقت إستحسان الجميع، ذلك السجود لرب العالمين جعل قلوب العالم تخفق حبا بالله.. والحناجر تصدح “الله يرضي عليكم” .
وأشاد فيصل محمد، الكاتب في جريدة الشرق القطرية، بالالتزام الديني للمنتخب المغربي، فقال: “منتخب الساجدين يستحقون التأهل، أداء لعب وأخلاق والأجمل رسائل دعوية دينية و أخلاقية في كل المحافل سواء من اللاعبين وحتى الجمهور، ألف مبروك للمغرب ويا رب عقبال الوصول للنهائي وتحقيق الكأس، مبروك للمنتخب المغربي وكل العرب والمسلمين”.
نجح المنتخب المغربي في إصلاح ما أفسدته السياسة وتحقيق “اللحمة العربية،” وأنتج جيلا يردد مفهوم الوحدة العربية حتى وإن لم يكن يدرك طبيعته حق الإدراك لكنه يؤمن بأن “كل بِلَادُ العُرْبِ أَوْطَانِي… وَكُلُّ العُرْبِ إِخْوَانِي”.فأصبح مصدر فخر لهم الأمر الذي دفعهم على مختلف أطيافهم إلى مساندته ودعمه في كل أدوار المسابقة، وهو ما برز بشكل كبير عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي، وإحتل وسم # فخر_العرب مركزا متقدما في قائمة المواضيع الأكثر إنتشارا في الدول العربية إحتفاءا به كأول منتخب يحقق أكبر إنجاز عربي ببلوغه نصف النهائي من نسخة كأس العالم العربية.
معنويات الأسود أضحت عالية، والطموح إزداد لإكمال المشوار في البطولة الحالية، وباتوا يدركون أن ما من شيء مستحيل على حد قول الركراكي: “حلم ونوض خدم على راسك رغم الصعوبات الموجودة تا شي حاجة ماشي مستحيلة وخليك ديما إيجابي”