يعرف المغرب في السنوات الاخيرة ،تحولات كبرى في سياق الاصلاحات العامة التي يسعى إلى تحقيقها في جميع المجالات ،خاصة التصدي للمعضلة الاجتماعية و العمل على إخراج السجل الاجتماعي ، ناهيك عن الدفع بالاستثمار وإنعاش الاقتصاد فيما يسمح بتسريع وثيرة النمو التي تعطلت بسبب مخلفات أزمة كورونا وتداعيات الحرب بين روسيا واكرانيا.
إصلاحات حضيت بالاهتمام على المستوى المركزي والمحلي وذلك بدعم الامركزية ، والارتكاز على حكامة محلية قادرة على مواجهة التحديات الكثيرة التي تعرفها الساحة الوطنية والاقليمية والدولية على حد سواء .
فمن خلال الخطابات الرسمية للمؤسسة الملكية والسياسات والبرامج الحكومية ، نلاحظ تزايد الاهتمام بالجماعات الترابية والرغبة في جعل هذه الأخيرة قاطرة فعلية لتحقيق التنمية الشاملة والمندمجة وذلك من خلال تفعيل دورها في حل المشاكل المتعددة وتلبية الحاجيات المتزايدة للمواطنين ، وفق مقاربة تشاركية وذلك لتحقيق أكبر مايمكن من المنجزات والمشاريع التنموية تنفيذا لمضامين دستور 2011 للقوانين التنظيمية بهذا الخصوص والتي تعتبر دعوة ملحة لكل المهتمين بالشأن المحلي وتحمل المسؤولية .
كل ذلك يضعنا أمام تساؤل محوري وهو مدى الامكانات والوسائل المتاحة للجماعات الترابية من أجل تحقيق الأهداف التنموية والعدالة الإجتماعية للمواطنين ؟
غير الجواب عن هذا التساؤل لن يتناول الإمكانات المادية البشرية للجماعات الترابية ، بل سيقتصر على الامكانات المادية التي تتوفر عليها ونخص بالذكر ، الجانب المتعلق بأملاكها العمومية والدور المنوط بها في تحقيق التنمية المستدامة وتأثيرها على السياسة العمومية .
إن أهداف التنمية المتوخات من الجماعات الترابية تستهدف بالأساس توفرها على امكانيات وموارد وترواث ملائمة كفيلة بتمكينها من تحقيق اهدافها ومن بين اهم هذه الترواث نجد الأملاك التي توجد بحوزتها المتمثلة في عقارات ومنقولات مخصصة اما لاستعمال عموم الساكنة او لتسيير المرافق العمومية المحلية .
ويدخل ضمن الملك العام المحلي جميع الاملاك التي خصصت للنفع العام ،فهي لا تقبل التفويت او المبادلة الا وفق اجراءات محددة لإستخراجها .
فالاملاك العقارية والمنقولة تمثل ثروة مادية واقتصادية واجتماعية كبيرة بالنسبة للجماعات الترابية وبالتالي فكلما ازداد حجمها وتنوعت أصنافها كلما شكلت اداة مهمة وفعالة لتحقيق التنمية المحلية الشاملة بإنجاز مشاريع مختلفة توظفها في مجال الخدمات وتلبية الحاجيات المتعددة للساكنة المحلية .
ونظرا لأهمية املاك الجماعات الترابية ،فاليوم أصبح من الضروري الاحاطة والإلمام بطرق تسييرها وتدبيرها و البحث عن سبل حمايتها من النهب والضياع باعتبارها ثروة جماعية تحتاج أكثر للحفاظ عليها وتنظيم تدبيرها بشكل يمنع كل تلاعب بها ويجعلها في خدمة الصالح العام .
غير ان ما يمكن ملاحظته من خلال تتبع الإطار القانوني المنظم للملك العمومي ، هو قدمه وتعدده وتضاربه مع عدم شموليته لكافة املاك الجماعات الترابية ، وقصوره في تحديد تعريف دقيق لها الأمر الذي ينعكس سلبا على كل تدبير سليم لسياسة عمومية محلية .
فوجود بنية قانونية غامضة تشمل نصوصا قانونية متضاربة بفعل صياغتها المعقدة وعدم تحيينها ، أمر يفتح الباب واسعا امام التلاعبات وعمليات السمسرة على حساب تفاعل الأزمات وتصاعد مستويات التخلف في شتى الميادين ،اضافة الى ذلك فهذه البنية الفانونية لازال يطغى عليها الطابع الاداري الصرف لتدبير الملك العمومي ، على حساب الدفع بالتدبير الاقتصادي ، لخدمة التنمية المحلية ، بسبب المراحل التي يستوجب على التصرفات القانونية قطعها والإجراءات الواجب إحترامها والمراقبة الواجب الخضوع لها ، مما يتعارض مع ابسط مبادئ الامركزية وتبسيط الإجراءات من أجل نجاعة التسيير المحلي .
و الى جانب ماسب ذكره ، فإن تنوع وإختلاف المرافق المحلية ،يعد من بين الأسباب التي أفرزت طرق متباينة لتسييرها وادارتها ، و يجعل الادارة لا تملك مطلق الحرية في إختيار الأسلوب الأمثل في تدبير الملك الجماعي بل تكون ملزمة بالأخد بالأسلوب الذي تمليه عدة اعتبارات محددة ،اما سياسية او اقتصادية أو اجتماعية .
ان كل استراتيحية ناجعة لسياسة عمومية محلية والتي ستساعد لا محالة على احتواء الاكراهات القانونية والواقعية المرتبطة بالتدبير السليم للاملاك الجماعات الترابية وحمايتها من كل تبدير أو تفويت مشبوه ،تكمن في اعادة الاعتبار للمنتخب الجماعي والاهتمام بالموارد المحلية وتفعيل أساليب التواصل وعصرنة المرافق البلدية ورقمنتها وادخال آليات الحكامة المحلية في التدبير المحلي الذي لن يتحقق الا بتغيير النسق الاداري المحلي والإهتمام بالموارد البشرية والمالية وترشيد إستعمالها وعقلنته ،وهذا لن يتم إلا عبر تقوية الاتصال والتواصل داخل الإدارة المحلية سواء بين المنتخب و الموظفين أوبينه وعموم المواطنين .
ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الإعلام والهجرة وحقوق الإنسان.