
في ظل موجة الغضب الشعبي التي يعرفها الشارع المغربي ضد المكون الحكومي، ومع تصاعد احتجاجات شباب Gen Z 212 والمطالب بإصلاحات عميقة تعيد الثقة وتفتح أفقاً جديداً للتغيير، يفرض الواقع العودة إلى لغة الأرقام لفهم ما حدث في 2021 واستشراف ما قد يقع في 2026.
فالانتخابات ليست مجرد سباق حزبي، بل هي انعكاس مباشر لميزان المشاركة والمقاطعة.
ومن خلال التجربة، فإن المال لم يكن العامل الحاسم في نتائج الاستحقاقات السابقة، رغم ضخ الأحزاب لملايير الدراهم، ولا حتى اصطفاف الإدارة الذي كان في أحيان كثيرة واضحاً.
الحقيقة أن من صنع النتيجة فعلاً في كل محطة انتخابية هم المقاطعون.
لنتمعن في أرقام 2021:
• عدد المواطنين البالغين 18 سنة فما فوق: 25 مليون
• عدد المسجلين في اللوائح الانتخابية: 17.5 مليون
• عدد المصوّتين: 8.7 مليون
• عدد المسجلين الذين لم يصوّتوا: 8.7 مليون
• عدد غير المسجلين رغم أهليتهم: 7.7 مليون
أي ما مجموعه 16.4 مليون مقاطع
في المقابل، لم يتجاوز الحزب المتصدر سوى 2.1 مليون صوت، حصد بها 102 مقعداً برلمانياً.
من واقع التجربة كفاعل سياسي ومنتخب، أؤكد أن أخطر ما تفرزه المقاطعة هو ترك الساحة فارغة أمام فاسدين أو انتهازيين يتحكمون في مصائر الناس بأصوات محدودة، فيما الأغلبية الصامتة تتفرج من بعيد.
واليوم، ومع الوعي المتزايد لدى الشباب ورغبتهم المشروعة في تغيير الأوضاع وتحقيق مطالبهم التي عبّروا عنها في ملفاتهم الموجهة إلى جلالة الملك، فإن قوة الاحتجاج السلمي لا تكمن فقط في التعبير عن الغضب، بل في استمراره المنظم وتحوله إلى فعل سياسي مؤثر داخل المؤسسات.
فحين يجد الضغط الشعبي طريقه إلى المؤسسات، يتحول إلى قرارات وإصلاحات ملموسة.
وبعيدا عن أي حسابات سياسية، ومع بقاء أقل من عشرة أشهر على الاستحقاقات المقبلة، فإن تأسيس حزب جديد ليس خياراً عملياً في المدى القريب، لكن الانخراط الواعي في أحزاب المعارضة القائمة – داخل البرلمان أو خارجه – يمكن أن يشكل البديل الواقعي لتصحيح المسار.
فانضمام ثلاثة ملايين فقط من المقاطعين إلى صناديق الاقتراع كفيل بقلب موازين القوى وفرض رئيس حكومة جديد في 2026.
ذلك لأن التعبئة الواسعة وتغطية الدوائر الانتخابية، في ظل القاسم والتقطيع الحاليين، قادرة على ضمان مقعد واحد في كل دائرة محلية وجهوية على الأقل.
ختاماً:
أيها الشباب، أنتم الرقم الصعب في المعادلة السياسية.
أنتم صنّاع التغيير الحقيقي.
إذا تحولت المقاطعة إلى مشاركة واعية ومسؤولة، فستصنعون البديل وتحددون مستقبل هذا الوطن.
فلا المال ولا الإدارة من يقرر، بل أنتم.
دمتم سالمين