غشاش مع مرتبة الشرف

وادنون تيفي23 يونيو 2025
غشاش مع مرتبة الشرف
كاتب مشاغب

لا صوت يعلو هذه الأيام.. على صوت الامتحانات.. الاختبارات.. الباك.. الجامعة.. المباريات.. النقط.. النجاح.. والفشل.. فلا شك أن الحياة في حد ذاتها امتحان.. وامتحان عسير.. أساسها التقييم والشهادات.. تقييم المهارات والمقدرات العقلية والعملية.. الذي يبقى السبيل الوحيد -ربما- لتحقيق الحلم.. والوصول لمكانة اجتماعية “راقية”.. مع ما بدأ يصاحب هذا المنهج.. منهج الامتحانات والاختبارات من انتقادات.. ومطالب بتفعيل وتطبيق طرق أخرى للتقييم غير الامتحانات والنقط.. نعود لنقطة الحلم.. والنجاح.. فلا احد ينكر ضرورة العلم والشهادة والمعرفة.. وإذا سألت أي أب أو أم عن حلمه في الحياة.. سيجيب.. التفوق الدراسي للأبناء.. وهو حلم مشروع أكيد.. ولكن التصريح به.. والإصرار عليه.. يشكل غالبا ضغطا ثقيلا على الأبناء.. ضغط اسري واجتماعي كبير.. من خلاله تحاول الأسر أن تبين أن فلذات أكبادها قادرين على النجاح والحصول على الشواهد العليا.. وبنقط خيالية في بعض الأحيان.. والى الماضي القريب جدا.. كان الطالب الذي يحصل على الباكالوريا.. يحتفل به.. ويحمل فوق الأكتاف.. ويطاف به وسط الحي.. ما يبين أن الحصول على الشهادة هو حدث فارق في الحياة..

ومؤخرا.. وكما قلنا.. لم يعد المطلوب فقط الحصول على الشهادة.. بل الأساسي هو نقطة النجاح.. ففي الباكالوريا مثلا.. النجاح دون معدل عال.. هو مرادف للرسوب.. فاللازم تحقيق نتيجة عالية.. خيالية.. فالأغلبية الغالبة الآن أصبحت تحصل على 15 و 16.. هذه النقط في زمننا كانت معدلات أسطورية.. لكن صاحبها اليوم هو متوسط الذكاء.. إن لم نقل متخلف عقليا.. أي أن املك الوحيد لتكون متميزا.. هو كسر هذه الأرقام.. والسباحة في أعالي البحار.. وسط المعدلات الفلكية/الخيالية.. 19.. وأكثر.. وهو ما يطرح علامة استفهام كبيرة.. حول المعادلة الغير متساوية.. بين المستوى الدراسي العام المنحدر.. والنقط المرتفعة للطلبة..

ما علينا.. المهم انه وسط هذا المشهد العام الكئيب.. ضغط اسري.. معدلات خيالية.. بلد لا يعترف إلا بالدبلومات والشهادات.. وأمام ضيق الأفق.. ومحدودية الطاقة الذاتية.. والتقاعس والتكاسل الذي يشمل اغلب أطراف المنظومة التعليمية .. فهنا الطالب يجد في الغش الوسيلة المثلى لتحقيق ما يصبو إليه.. وهنا نصل إلى بيت القصيد.. فالغش أصبح منظومة ومسلمة من مسلمات الامتحان.. وليس استثناء.. ونظرة خاطفة على آراء وتعليقات التلاميذ الذين اجتازوا امتحانات الباكالوريا.. تبين لنا مدى استياءهم وغضبهم من تشدد بعض أساتذة الحراسة معهم.. كأن “النقلة” أصبحت حقا دستوريا مكتسبا لا يجب المساس به.. “والله حتى عيب عليهم.. بغينا غا نقلو والله ما خلاونا هاد الناس”.. “ما مبريباري والو.. عوال نقل ونجح باش نفرح ميمتي.. أنا أصلا كنحلم نمشي برا”.. وهكذا دوالك.. بل الأدهى أن الأمر تجاوز التلاميذ ليصل إلى أبائهم.. الذين تجدهم منتشرين كالجراد أمام أبواب الثانويات.. يرعدون ويزبدون.. محتجين مهددين بدورهم.. ومنددين من تشديد المراقبة على أبنائهم البررة.. الآباء الذين كانوا في الماضي عندما يعود الطفل إلى البيت من المدرسة وهو لا يستطيع المشي على قدميه من اثر “الفلقة”.. يأخذه والده إلى المدرسة ويقول للمعلم.. “أنت ذبح.. وأنا نسلخ”.. الآن يثور الأب في وجه المدرس والمدير والحارس حتى.. فقط إذا عاد طفله من المدرسة عابسا غاضبا منكسر الخاطر..

للأسف الجيل الحالي.. أو لنقل شريحة كبيرة منهم.. وبمساعدة مباشرة أو غير مباشرة من بعض أولياء أمورهم.. لا يعترفون أنهم “معكازة.. بغاو النتيجة باردة.. بلا تمارة”.. يريدون حياة بشروطهم دون مجهود منهم.. يتحدون المنطق والقانون.. والمشكل يبدأ من الأسرة.. التي لا تزرع في أبنائها الشعور بأهمية العمل والجد والكد في الحياة.. وان لكل مجتهد نصيب.. وان الحياة اخذ وعطاء.. بل بالمقابل نجد انتشارا لبذور الإتكالية والتكاسل.. وانتظار أن الكل “غادي يتعاون معاه”.. لهذا.. الجميع مطالب بالتغيير.. تغيير طريقة التربية.. وطريقة التفكير.. “وبلا ما يكذب عليك شي حد عزيزي الطالب.. والله ما قفلتي لا فورتي..” إلى متى سينقذك الغش.. رغم أنه في الواقع.. وللأسف.. في مجتمعنا الحالي.. لا مفر من الاعتراف أننا “يا عزيزي كلنا غشاشون”.. فمجتمعنا انتقل إلى رحمة الله الواسعة.. ولا يسعنا إلا قراءة الفاتحة على روحه.. والجيل القادم سيكون الأسوأ على الإطلاق.. غير الله يستر..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.