رغم هالة الإحترام التي يحظى بها الحقوقي المدافع عن حقوق الانسان عزيز غالي، فإنه يبقى شخصية مثيرة للجدل بحكم آرائه وقراءاته السياسية التي تغرد خارج السرب، وإختراقاته المتكررة لبديهيات ومسلمات تزج به في دائرة النقد المباشر، وتغطي على قراءاته الإيجابية الأخرى.
السؤال المطروح هو كيف لرئيس جمعية تحمل اسم “المغربية” لحقوق الإنسان أن يستفز الشعور الشعبي ل 40 مليون مغربي بكلام مناهظ لمغربية الصحراء، وأن يحشر أنفه في ما هو بين الدولة والأمم المتحدة؟ ولماذا لم يدلي بتصريحات حول هجمات المحبس و السمارة التي راح ضحيتها مدني أعزل ولا ضحايا السعيدية ولا إحتجاز جثة اللاعب المغربي عبد اللطيف أخريف؟ لماذا لم يدافع عن حقوق المغاربة الذين هُجِّرُوا ظلما وعدوانا من الجزائر في المسيرة السوداء؟ لماذا لم يدافع عن المحتجزين في سجون و مخيمات الذل و العار في تندوف؟ لماذا تجاهل الحقائق المثبتة بشأن إعتداءات كديم إزيك التي أودت بحياة 11 عنصرا من القوات العمومية على يد ميليشيات إنفصالية مدعومة خارجيا؟
إن مواقفه الغريبة من الملكية، والقضية الوطنية الأولى بالنسبة للمغاربة شعبا وملكا، التي عبر عنها مؤخرا في بودكاست” منشورعبر صفحات موقع “عربي21“، ليس بكلام جديد؛ بل هو مجرد تذكير و إجترار لمواقف سابقة للجمعية التي يرأسها، أو بالأحرى هو إستحضار للموقف الذي يتبناه – منذ سنوات طويلة- الحزب اليساري الراديكالي المغربي، المعروف بـ “النهج الديمقراطي”، الذي ليس له أية قاعدة شعبية بالمغرب و الذي يتشكل أساسا من العناصر المتبقية من حركة “إلى الأمام” و المدافعين عن الفكر الماركسي اللينيني، الذين يتقاسمون مع جبهة البوليساريو أوزار الدفاع عن الشيوعية و محاولة زرعها في مجتمع مسلم.
لا أحد يستسيغ وصف عزيز غالي ساكنة الأقاليم الجنوبية بالشعب الصحراوي، والدعوة لتقرير المصير لأن هذا الموقف يشكل إستخفافا بالغا بقناعات أبناء الأمة، ويبخس مجهودات الدولة في تنمية الأقاليم الجنوبية، ويستبيح دماء آلاف الشهداء الذي ضحوا بأرواحهم في سبيل الوحدة الترابية، خصوصا أن أطروحة الإنفصال في الصحراء لم تعد تغري عديداً من الدول في العالم، إذ سحب كثير منها الإعتراف بجبهة البوليساريو، وبالتالي إما أنها دعمت صراحة المقترح المغربي بإرساء الحكم الذاتي، أو أنها حافظت على الحياد بمطالبة الأطراف المعنية بالصراع الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل إيجاد حل عملي وناجع لهذا الملف الشائك.
وفي مقاربته لقضية الصحراء المغربية يمارس عزيز غالي إصطفافا حادا إلى جانب يرفض جملة وتفصيلا مسألة الحكم الذاتي كمخرج واحد ووحيد لِما يسمى “تقرير المصير”، كما يعلنه الخطاب الرسمي المغربي، وبدل ذلك فإنه ينتصر لمخرجات أخرى هي في الغالب ما تدعو إليه البوليساريو ومعها الجزائر من قبيل العودة إلى آلية الإستفتاء كمحدد أساسي لتقرير المصير ثم بعدها يقرر”الشعب الصحراوي” ما يريد.
جملة من الرؤى والأفكار التي لا تستوي على منطق يسوقها الحقوقي الجانح في حديثه عن قضية الصحراء تجعله يحلق في عالم آخر، ويرتاد واديا غير ذي زرع منهجي أو واقعي، متجاهلا حقيقة أن مبادرة الحكم الذاتي لقيت تفاعلات إيجابية واسعة في المنتظم الدولي، وإعتبرته القوى الكبرى في العالم خصوصاً الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وعديد من بلدان أوروبا مقترحاً منطقياً وعملياً يمكن أن يفضي إلى حل النزاع من خلال مسار المفاوضات بين الأطراف المعنية بالصراع، وضمنها الجزائر وموريتانيا.
الحقيقة أننا كنا نحترمه حينما كان يتطرق للمشاكل الداخلية للمغرب كحقوقي مدافع عن حقوق الانسان، وكنا نتمنى أن يصحح ما قصده بكلامه، لكن إلتزامه الصمت دليل على أنه كان يقصد كل حرف تفوه به.. لقد إختار طريقا مختلفة على رغبة المغاربة ووقف على الضفة الشرقية، وهنا نستحضر ما قاله الملك محمد السادس في خطاب بمناسبة الذكرى ال 34 للمسيرة الخضراء، على أن وقت إزدواجية المواقف قد إنتهى فإما أن يكون المواطن مغربيا أو غير مغربي.
ختاما، وجب على عزيز غالي الإقلاع عن إجتراح منطق الأستاذية القهرية في التعاطي مع الآخرين، وإحترام وعي الشعب الذي يرى أنه لا يمكن أبدا التفريط في حبة واحدة من شبر واحد من الصحراء وكفاحه في سبيل قضيته العادلة، ورفع القبعة لهم، وليس أي شيء آخر .. والواقع الدولي يسير إلى طي الملف.