حينما سقط الطفل ريان من مسافة أكثر من ثلاثين مترا، ثم مكث منحنيَ الرأس لمدة أكثر من أربعة أيام، تحت كومة من التراب، ولم يزل في الخامسة من عمره، كنا نشعر أن ذلك ليس حِمْل طفل في سنه وضعفه.. لكننا لم نكن نستطيع أن نبث التشاؤم أثناء وجوده في البئر، كنا فقط ننتظر معجزة، في زمن لا تجدي فيه العواطف والابتهلات ما لم تُقرن بالعمل الجاد والمدروس، مصداقا لقوله تعالى “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”..
اليوم طلب بعض الصحفيين أن يُبث مقطع جديد لريان، فرُفض الطلب، حينها شعرنا أن شيئا ما على غير ما يُرام.
ربما قتلتْ ريان المبالغة في الاحتياطات بسبب خوف الجميع من المسؤولية. لكن الخطأ ليس خطأ الذين يذلوا الوقت والجهد لفعل شيء، فقد دفع خطأ أكبر من دولة تترك الآبار العميقة في متناول الأطفال.. خطأ الإقليم والجماعة القروية التي لم تغلق تلك الحفر الضيقة.. خطأ عائلته التي تعرف أن بئرا ضيقا أمام البيت دون فعل أي شيء سوى انتظار الفاجعة.. دفع خطأ أمة كاملة لم تخرج بعد من بئر آخر، هو بئر التخلّف والعصبية والقطرية الضيقة وبهرجة الفارغة.
ريان باختصار ضحية العالم أجمع بعد أن تكررت المأساة في إسيانيا والهند والجزائر ورومانيا وغيرها خلال العقود الماضية، إنها جرائم ضد الطفولة، فليس هناك أقسى من أن تموت طفلا وحيدا في ظلمة، في قعر بئر، وعليك كومة تراب، وعلى مدى أيام.
اليوم .. بلّغَ ريان الرسالة ورحل.. بلّغ ما لم تستطع أن تبلّغه الخطب العصماء للساسة على مدى عقود كثيرة من الهزيمة، رسالة ريان تقول لنا على المستوى الاجتماعي “قدّروا قيمة أحبابكم”.. على المستوى الوطني “أغلقوا فجوات الموت عن الأطفال، واهتموا بالبوادي التي تعيش في ظروف بائسة”، على المستوى الدولي “قدّروا الإنسان، واعدلوا بين البشر”.
إنا لله وإنا إليه راجعون