السطحية آفة العصر حتى في كرة القدم

خديجتو عدي19 سبتمبر 2024
السطحية آفة العصر حتى في كرة القدم
محمد بعاج

عادة ما ينظر الجمهور لكرة القدم على أنها لعبة بسيطة، و بحكم تلك العشوائية التي تطبع نظامها فيبدوا الجميع محقًا بإبداء رأيه في ذلك التغيير، أو تحميل ذلك اللاعب سبب ضياع حلم، هناك محلل يغلي داخل كل منا، والحقيقة أن هذا أحد المحفزات التي جعلت الجميع يسلم مشاعره كل ما رأى كرة تتحرك، لا أحد منا سيملك شجاعة للنقد نظرية في الفيزياء مثلًا، لكنه يرى رأيه صوابًا كلما اقتربت مباراة أو عند نهايتها وهذا بحد ذاته قد يكون سببًا في حبنا لهذه اللعبة، ذلك الدرس الذي تشعر فيه بأنك مساعد جيد لمعلمك ستحضره دائمًا بينما سيكتب عليك الغياب عندما لا تشعر بأنك جزءا من القسم! .

الشعور بأن رأيك مهم وقد يكون حقيقيًا هو شعور مميز تمنحه لك كرة القدم، ولاشىء أفضل من كونك تعتقد بأنك على اطلاع بكل ما يحدث، ذلك الوهم هو اللغز، وهم المعرفة، ولأننا لانملك خطة فائزة، و لا استراتيجية مثالية فذلك يعزز بداخلنا شعورًا جيدًا بأن لدينا الشرعية في الحديث لأننا في ملعب لايمكن لأحد أي يدعي امتلاكه الحقيقة، قد لا توجد حقيقة واحدة في هذه اللعبة لكن توجد منطلقات حقيقية، يوجد منطق عاقل و أساسيات موضوعية، لكن كل ذلك لايهم مادام كل ذلك لن يوصلنا الى نتيجة حقيقية، لذلك علينا أن نتهور دون خوف، هكذا يفكر عقل المتابع! .

ولكي ننتقد علينا دائما بالثناء أو توبيخ المدرب، لأننا مصرين على الإيمان بقدراته الخارقة، لقد منح الإعلام سلطة مطلقة للمدرب على أحداث المباراة، بالمناسبة تلك سلطة وهمية أو مبالغًا في تقديرها، ليس ذلك هو موضوعنا، القضية هنا حول ذلك النقد الذي نوجهه للمدرب! .

المدرب هو في الغالب رجل متعلم في حدود تخصصه، معرفته تفوق بمراحل معرفة الجماهير و المحللين، قد لايعرف كل شىء لكنه يعرف كل الاحتمالات، تهمة الغباء لن تكون مقنعة في حقه، المدرب يملك امتيازًا لا يملكه أكثر المحللين معرفة، هو رجل يعيش مع لاعبيه يوميًا، يقود حصص التدريب، الأخيرة التي لانراها و لانعرف مايحصل فيها، لذلك في الغالب هو محق في اختياراته و في قراراته .

عادة ما يقود القليل من المعرفة المحلل الى الوقوع في مشكلة التبسيط، إذ يعتقد أن المدرب فقد بصره، ينتقد و يوبخ، يثق في خياله الواسع، لكنه نسي أن خيال كرة القدم أوسع، وربما لايدري جيدًا أننا في لعبة الاحتمالات، كون ذلك القرار لم يعد صائبًا، لكنه قبل ذلك كان احتمالًا قد يكون صائبًا، قد يختار المدرب ذلك الاحتمال الخاطئ من بين عدة احتمالات لكنه في الغالب اختاره لأسباب موضوعية، صعوبة هذه اللعبة أنها غير قابلة للتوقع بشكل مطلق لذلك سيبقى هامش الخاطئ قائمًا .

لقد كان غاري نيفيل يظهر بالكثير من الثقة مقدمًا موقفه الناقد بعد كل مباراة، وعادة مايميل لفكرة النقد اللاذع، وعندما تم تعيينه بشكل مفاجىء لتدريب نادي فالنسيا، سئل مورينهو عن موقفه حول هذا التعيين، مابعد بروتوكول التهنئة، أخذ مورينهو قائلًا: “فقط عليه أن لا ينسى بأنه لا يستطيع إيقاف المباراة وتحريك اللاعبين أثناء سيرها” .

وبعد فشله و اعلانه اعتزاله التدريب تحدث غاري نيفيل عن احدى المباريات التي شعر فيها بأنه كان دمية في يدي مدرب الخصم الذي حينها كان أتلتيكو بلباو ومدربه فالفيردي، لقد شعر بالإهانة لأنه كان يكتشف أفعال منافسه بعد فوات الاوان لأنه ببساطة لا يستطيع إيقاف اللعب لكي يرى مايحدث! .

يمكنك أن تملك جهازا جيدًا، أن تتعلم برامج مونتاج، أن تحلل لنا كل الوضعية التكتيكية، لكن هذا لازال عملًا لايمنح لك الحق في التهكم أو السخرية من قرار مدرب، لأن الأمر ببساطة أكثر تعقيدًا من مانعتقد، لأننا في لعبة يوجد فيها خصم يفكر و يستنتج كذلك، وذلك أحد أسرار التعقيد، ليست هذه دعوة لاستقالة النقد لكنها دعوة للتفهم صعوبة الأمر، الناقد الجيد ليس بالضرورة شاعرًا جيدًا، إذا وضعت نفسك مكان المدرب على الأرجح لن تحمل مدربًا سبب الخسارة، ليس لأنه لايسيطر على كل شىء بل لأننا نجهل أشياء كثيرة لايعرفها سوى المدرب!

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.