الشعر الحساني هو أحد أصناف الشعر الشعبي ومميزات الثقافة الحسانية، ويتميز بتفرده بعدة بحور تقاس بالمتحركات وتختص بعضها عن بعض بإضطراب العوامل أي النصب والخفض والرفع والسكون، ومن بين هذه البحور من لا يعمل به الآن.
وللشعر الحساني أهميه ككل شعر عربي فصيحه وعاميه، رغم أن أهله يفاخرون بأنهم تجاوزوا الشعر الفصيح وشعراءه، لأنه أي الشعر العامي الحساني يحتوي على الكثير من مفردات اللغة العربية الفصحى بل وحتى على جمل مفيدة بأكملها، إضافة إلى كلمات ومفردات من اللغات الأجنبية الأخرى، وقد إستعملت آيات قرآنية وأحاديث نبوية علاوة على الشعر العربي من كل العصور. وقد برع كثيرون في الشعر الحساني، وهناك طبقة خاصة بروايته إلى جانب مؤلفيه من الشعراء وعشاقه، وهي طبقة المغنيين المسماة باللهجة الحسانية ” إيكاون”، ويقوم بعض هؤلاء والكثير من الشعراء الكبار بدور النقد الشعري بهدف تمييز الجيد من الرديء من الشعر الحساني، وقد تجد بعض الشعراء يحفظ من شعر غيره أكثر مما يحفظ من شعره وإبداعه الخاص.
وقد تناولت القصيدة الحسانية جل المواضيع شأنها شأن جميع أنواع الشعر الا أنه ظهر إبداع خاص بالمرأة الحسانية يسمى عند قبائل الصحراء ب”التبراع”.
“التبراع” نمط شعري فريد خاص بالنساء الحسانيات، لا يوجد إلا في منطقة بني حسان “جنوب المغرب والجزائر وموريتانيا ومالي”، ومصدره في الغالب مجهول، تطلقه الشاعرات الصحراويات في مجالس نسائية خاصة، وتتحررن فيه من كل القيود والأعراف المجتمعية، حيث تتغزل فيه المرأة بالرجل، وتعلن فيه عن حبها وولعها بمعشوقها، وذلك عبر إختزال ما يمكن أن تضمه قصيدة طويلة من التغزل في بيت واحد قوي السبك ومتقن العبارة أو ما يسمى بالحسانية بـ”تافلويتين”، ويتكون من شطرين ذات روي واحد،الشطر الأول يتكون من بيت “البتيت التاء” والشطر الثاني يسمى بـ”حث وجراد”.
إن الشعر النسائي ” التبراع” يختلف عن الشعر الذي ينظمه الرجال، وكذا ما تبدعه المجموعات الاجتماعية المتخصصة، تقليديا، في الغناء والطرب أي “إيكاون ” المسمى “لغن” المتميز عن الشعر العربي الفصيح، وهذا ال “لغن”، لكي نميزه عن ” شعر النساء ” التبراع، هو بالأساس ذكوري ويتكون من “كيفان”، أي بيتين ومن طلعة التي تتكون من ثلاثة أبيات على الأقل. كما يمكن الجمع بين “الكاف” والطلعة ليكونا نصا شعريا مطولا،بينما قد تحمل تبريعة واحدة من المعاني و الأحاسيس و العاطفة و المشاعر و الأفكار و الروحانية ما لا تحمله قصيدة من ألف بيت،فهو النمط الشعري الوحيد المسموح للنساء بتناوله وهو خاص بمنطقة إنتشار الحسانية و بنسائها ويمتاز بطبيعته الفريدة التي هي الحياء و السرية… وعلى عكس الشعر عند الرجال فالمرأة تتوقف عن قول التبراع عندما تكبر في السن و لا تسمح لنفسها به وتتجاهل ما قالت منه في الماضي و حتى حكايته لا تناسبها.
وقد تفرَّق الباحثون في الأدب الصحراوي بخصوص أصل المفهوم، فمنهم مَن رأى فيه امتداداً لكلمة “التّبرّع”، حيث تتبرَّع المرأة الشاعر بنصوص غزلية للرجل الذي تحبه بدون مقابل، وهناك مَن رأى في الكلمة تحويراً لمفهوم “الرُباعيات” في الشعر العربي، وثمَّة مَن رأى أن “التبراع” مُشتقّ من الفعل بَرَعَ، إذ يتعلَّق الأمر بالبراعة في كتابة قصائد غزليةومن هنا إشتقت كلمة ” تبريعة ” التي هي بمثابة قصيدة صغيرة تعبر بها الفتيات عن مشاعرهن التي يمنع التعبير عنها بوضوح وبشكل صريح أمام الملأ.
إن شعر التبراع هو إبداع نسائي شفهي بإمتياز يخص النساء دون الرجال،و إنتشاره وتداوله راجع بالأساس لسلطة المجتمع الصحراوي الذي تؤطر مجاله جملة من الممنوعات خاصة ما يتعلق بالنساء، وبذلك وجدت الحسانيات في التبراع وسيلة هامة للتعبير عما يخالجهن من أحاسيس وعواطف،و له طقوسه (التبراع) الخاصة والتي تقام كفضاء مؤثث لقول الشعر، حيث يجب أن تتواجد مجموعة من الفتيات اللواتي تجتمعن من أجل السمر ونظم الشعر وإلقائه في تجمعات شبيهة بـ«الصالونات الثقافية» الحديثة فتبدأ الواحدة منهن بالإنشاد في موضوع أو مغزى معين. قد يعنيها وقد يكون عاما، المهم أن يكون داخل إطار الغزل…فتطفق الواحدة تلو الأخرى في التبراع ويستمر الأمر على شكل مساجلة أو محاورة تبراعية.
من أبرز نماذج هذا الشعر الحساني نجد، أولا، ما يصطلح عليه ب “التبريعة الافتتاحية” وهي دائما تكون على شكل مقدمة يذكر فيها اسم الله، وتبرز فيها مكانة رسول الله (ص) عند المتبرعة، فيقال مثلا:
“لَايْلَاهَ إلَّا اللَّهْ لَايْلَاهَ إلَّا اللَّهْ يَاخُّوتِي مَغْلَ عْلِيَّ رَسُولَ اللَّهْ ”
يعبر بها عن محبة الرسول عليه الصلاة والسلام، بعدها يمكن أن تفتى باقي “التبريعات”، أي الكلام المنظوم الذي تنشده فتيات الصحراء تغزلا في محبيهم في سرية تامة وجحدان لهوية المتبرعة، وكذا هوية المشار إليه في «التبريعة» حيث تشاع التبريعات دون أن تعرف مبتدعتها ولا الشخص الذي أبْدِعَت لأجله ،كتبريعة
“يابالي صبرا إن مع العسر يسرا..”
وفيها تتفاءل صاحبتها بالصبر لأجل جمعها بحبيبها…
وتبريعة أخرى:
” مْصَابِي كْدَيْحَة يْشْرْب بِيَّا تَحْت طْلَيْحَة ”
ومعناه يا ليتني كنت قدحا ليشرب مني تحت شجرة الطلح، وهي إحدى النباتات المرتبطة بجغرافية الصحراء…
بينما تعبر أخرى عن إعجابها بابتسامة حبيبها
“عَنْدُو تْبْسِيمَا بَانِي فِيهَا إِبْلِيسْ خْوَيْمَة”
حيث إعتبرتها في غاية الإغراء لدرجة شبهتها بمقر استقرار إبليس في خيمة، وإبليس في الثقافة الحسانية لها رمزية خاصة حيث يعبر عن كل ما يتصل بالفتنة والإغراء وقوة التأثير الجمالي…
“مَنْ عَـــــــــزَّتْ كَــــــمْيَ………بَكْمَ طَرْشَ عَدْتْ آُ عَمْيَ”
والمعنى الفصيح ..هو : من فرط رغبتي في شد سيجارة (كمية) أصبت بالصمم والعمى والبكم….المعنى هنا جريء بالنسبة لهن في فضاء تقليدي..مسيج بالحياء ..والضوابط الدينية والأعراف..ولكن الأجرأ هو عندما نعرف أن” الكمية “..أيضا تقال كناية عن اللثم…
وتقول إحدى العاشقات وهي تشعر ببداية أعراض حب جديد يطرق بابها:
“وَانا فُؤَادي “””””””طارِي لُو شِي مَاهُو عَادي”
ومعنى التبريعة ، أن الفتاة تشعر أن فؤادها على غير عادته فماذا طرأ عليه يا ترى؟
ويظهر من خلال النماذج السابقة بساطة الوزن ولكن رغم قصره فإن بعض المتبرعات يحملن ،هذا البيت البسيط ، صورا غاية في الروعة والإبداع … مثل قول إحداهن :
“أًلاَ يَكَْدَرْ يَنْعافْ “”””””””””” لَخْظَارْ فْعٍيمان الجَفافْ”
لا يقدر أحد أن يَعاف أو يكره منظر الخضرة (لخْظارْ) في سنوات (عيمان) الجفاف…
فالخضرة جميلة في كل أوان فما بالك في أيام الجفاف ، إلى هنا يبدو المعنى عاديا يتحدث عن صورة طبيعية . ولكن المعنى الحقيقي الكامن وراء المعنى الظاهر مختلف تماما …
ف “لَخْظَارْ” أو الخُضرة في اللهجة الحسانية لها معنى آخر أيضا وهو السمرة أي اللون الأسمر فيقال فلان أخظر أو فلانة خظْرَ بمعنى أن لونها أسمر …ومن هنا نفهم أن القائلة تتغزل في رجل أسمر، في إستعارة تامة للصورة الطبيعية.
انه إفصاح علني وإنقلاب في الادوار، رغم ان الباحثين في الثقافة الصحراوية يرون ان هذا الابداع ليس عيبا ،فهو تعبير عن العذرية في العلاقة بين المرأة والرجل ، وعن معاناة داخلية وأنه نتاج طبيعي لوضعية متميزة للمرأة في بلد لاتزال الحياة البدوية بمعانيها ودلالتها النقية وقيمها الأصيلة تتجلى بأبهى صورها.
هذا النوع من الغزل الجريء يعززه كون قائلة التبراع تبقى دائما مجهولة ، بحيث أنه ينتشر بسرعة وتتناقله الألسن ولكن بدون معرفة مبدعاته …وهذا ما يعزز من مساحة الحرية التي تتبارى فيها الفتيات …
مثلا تقول إحدى الفتيات وقد شاهدت من تحبه وفي فمه مَسْواكًا أو سٍواكا على عادة أهل الصحراء … فإلتفتت إلى صديقاتها قائلة :
“لُو كَنْتَ لْ هُوَ”””””””””””” ما نَحْرَكَ لُو جاتْ القٌُوَّة”
والمعنى : لو كنت أنا ، هو( أي المسواك) لما تحركت (من فمه)حتى ولو بقوة الجيش…
ويبقى الطابع الرومانسي هو الغالب أكثر على هذا الشعر ويتوزع بين الشكوى واللوعة والسهر وهجران الحبيب والنسيان ….
“كَيْفَ أنْساهُ “”””””””””””ذلٍّ في الجَفْنٍ سُكْناهُ”
ذَلٍّ : هذا الذي
كيف أستطيع نسيان من يسكن أجفان عيوني .
وتبريعات أخرى تقول:
” ذي ماهِ مَنّي // سقْمُ فاتْ تمكّنْ مَنّي “
ليس لي يد في ما حدث ، فقد تمكّن حبّه الشديد مني
“لَا تْرْفْدْ عَنِّي . . . حْمَّةْ ذَ السَّقْم الْمَاكْنِّي ”
ومعناه الفصيح أنها أصيبت بالحمى من شدة الشوق إلى حبيبها.
“وَقْت اللِّي يْتْكَلَّم . . . تْمَنَّيْت عْلِيهْ نْسَلَّم ”
أي كلما تكلم تمنيت لو صافحته أو قبلته
“عَنْدُو تَبْسٍيمَة”””””””””” تُحْيي لْعِظَامْ الرَّميمَة”
تقول المتبرعة أن ابتسامة حبيبها تحيي العظام وهي رميم… أي تعيد الحياة وهي هنا تمتح من القرآن الكريم …
وهذه أخرى إنشغلت بغياب حبيبها الذي إعتادت رؤيته بشكل يومي، فراحت تنشد:
“البَـارَحْ مَ جَـانَ….. وَاللَّيْلَ فِيهَ مُـولاَنَ”
بخلاف أخرى سعدت كثيراً بعودة حبيبها لها:
“وَمْجِــــيهْ لْبَــارَحْ……. فَرْحُ بِيهْ اسْبَعْ اجْوَارَحْ”
والمعجم الديني حاضر بقوة في التبراع ولكن دائما لخدمة الغرض الرئيسي(الغزل) فالفتاة الصحراوية تلقت ــ كما هي حال نظرائها الذكور ــ تعليماً دينياً رصيناً، داخل الزوايا المنتشرة في الصحراء، حيث حفظت القرآن، ولُقنت علوم الحديث والقصص القرآنية والشعر العربي، فترجمت هذه المعارف إلى قيم جمالية وروحية بديعة في أشعارها، فإقتبست من النص القرآني بعضاً من آياته، ومن السيرة النبوية بعض أحداثها، ومن الموروث العربي القديم بعضاً من وقائعه المأثورة..ومن ذلك قول إحداهن :
“حُبِّي ذَا اطَّارِي “”””””””””””” ثَابَتْ رَواهْ البُخَاري”
اطَّارِي : الذي طرأ علي
الاستعانة بقوة وبيان وحقيقة ما يُروى عن البخاري للتدليل على مدى صحة وقوة حبها الجديد …
وتقول أخرى:
“وَمْنَينْ نْصَلِّي……..يَحْجَلِّي وَ نْعَلْ مَّلّ”
( في عز صلاتي أتذكرك …فأعيد الصلاة من جديد)
وكعادة الشعراء عندما يجنح بهم الخيال إلى الإبحار فوق الفواصل والحدود تقول التبريعة:
“مَنْدَرْتِي يَكَانْ “”””””””رَكَْ المَحْشَرْ فِيهْ الصَّبْيانْ”
مَنْدَرْتي : يا هل ترى
الرَّكَْ : الفضاء الواسع المفتوح
الصَبْيانْ : الأحباب ، الصْبِي في اللهجة الحسانية معناه الصاحب والحبيب…
تتساءل العاشقة هنا : هل يا ترى سيكون أحبابها موجودين يوم يبعث الناس وهو ما عبرت عنه بقولها “رك المحشر” …
وهناك معاجم متنوعة ينهل منها التبراع لا مجال لذكرها كلها ولكن نعطي فقط بعض الأمثلة على استعمال بعض الرموز التي لها علاقة بموضوع التبراع مثلا :
“قَيْس المُلَوَّحْ”””””””””أطَمْ أنا مَنُّ وَاشَحَ”
تقارن نفسها وحالتها بقيس المجنون الذي ملأ الدنيا بعشقه وتجد أنها أكثر منه وتعبر عن ذلك بقولها:
أطم وأشح : بمعنى أكثر وأشد
وقول أخرى:
“حُبَّكَ يالقَدِّيس””””””””””حَيَّرْ نِزارْ وَ كْتَلْ بَلْقِيس”
إن قوة حبها ، حيرت نزار قباني الذي يعتبر أستاذا في هذا الميدان وفي التبريعة إشارة إلى موت بلقيس زوجة الشاعر …
والقدِّيس هنا اسم مستعار ، وقد دأبت الفتيات كثيرا على إختيار اسم مستعار تطلقنه على الحبيب ولا يعرف حقيقته إلى الصديقات المقربات واللواتي يتضامن مع القائلة، بالتبراع على الاسم المقترح …حتى لا يثير الاسم الحقيقي أي شبهة على صاحبته ،وقد شاعت الكثير من الأسماء المستعارة في التبرع من أشهرها /: القديس،سامي ،جوَّاد ،سهيل…….
ولا يقتصر شعر التبراع عند النساء الحسانيات على التغزل بالرجال فحسب، بل يمتد إلى مجالات أخرى كالتغني بالمكان أو الطبيعة لارتباطها بأحداث وذكريات ماضية جميلة ترسخت في الذاكرة وسكنت في الوجدان لدرجة يصعب نسيانها مما يحيلنا على شعر الأطلال بالشعر العربي حيث
تقول المتبرعة متمنية :
“يَوْكِي يَالْوَادْ….. يَعْمَلْ بَغْيُو مَاهُ تْفْكَادْ”
و “يوكي” هنا تعبير حساني يراد به الإعجاب والاندهاش والترحيب. والمقصود ب “الواد” في هذه التبريعة وادي الساقية الحمراء. و”بغيو” من البغي، وهو الحب والتعلق العاطفي والوجداني. أما “التفكاد” فيقصد به التذكر.
وذكرت العالية ماء العينين، التي جمعت عشرات قصائد التبراع ونقلتها إلى العربية الفصحى في أطروحة دكتوراه مخطوطة ناقشتها عام 2009، أن الباحث أحمد بابا مسكي من أوائل من كتبوا عن شعر التبراع في أوائل السبعينات باللغة الفرنسية إلى جانب كتابات باحثين أوروبيين باعتباره تعبيرا عن عواطف وأحاسيس مصادرة إجتماعيا.
لا يوجد في الثقافة العربية نوع أو غرض شعري شبيه بالتبراع، بإستثناء شعر البدويات في مصر المعروف بـ”الغناوة”، وهو أيضا بيت يتكون من شطرين بنفس الوزن والقافية. حيث يعد جنسا أنثويا محددا يركزا على التعبير عن المشاعر بشكل مباشر.الا أن “غناوة” هو شعر النساء المتزوجات يحكين فيه عن سلبيات الزواج أو الصعوبات التي تواجه الزوجات مع الأصهار وأسرة الزوج،بينما التبراع في الأساس هو شعر تنظمه الشابات العازبات، حيث يحتل الحب والمزاح والإفصاح عن المشاعر مكانة أكبر،ويُذكِّرنا هذا النوع من الكتابة برباعيات النساء الفاسيات شمال
المغرب( العروبيات ) ، وبأدب “اللانداي” عن النساء البشتونيات، وعلى نحو ما بأشعار “الكَيشا” في الثقافة اليابانية…إلا أن التبراع كائن حي يتفاعل مع ما يجري من حوله، فهو لم يكن أبدا منغلقا على نفسه بل متح من حقول كثيرة و تأثر قديماً بالمعاجم اللغوية لثقافات الجوار الحساني، في مقدمتها اللغة الأمازيغية، وكذلك بعض اللغات الزنجية الإفريقية، فضلاً عن ارتباطه العضوي باللغة العربية.، وتجاوز ما هو عاطفي إلى ما هو إجتماعي وسياسي.وبحكم الوعي والتنوع الثقافي، أصبح يتناول جميع المواضيع، مثل التوحيد والرجاء والمدح، إضافة إلى مساجلات بين النساء والرجال في أمور علمية أو فكرية أو غزلية، بطريقة محترمة لا تخدش الحياء.
تتضارب الآراء والدراسات حول نشأته و تكونه.فمن غير المعروف تاريخيا متى ظهر “التبراع”.. لكن يرجح الشيخ سيدي عبد الله أستاذ النقد الموريتاني أن التبراع وجد إلى جانب الشعر الشعبي في القرن الثاني عشر الهجري.وقد ظهر نتيجة للكبت الذي كانت تعاني منه المرأة الصحراوية في مرحلة من تاريخ المجتمع لأنها كانت مغيبة ولا يمكنها التعبير عن المشاعر لأن ذلك لايليق بالمرأة و لا يمكن لها الجهر بحبها، والتغزل بمحبوبها، إلا بشكل متنكر، وعبر وسيلة أدبية تعرف بـ “التبراع” الذي يعتبر إمتداد للغزل والنسيب الذي ظهر، كغرضٍ شعري، مع الشعر الجاهلي، وعرف أوجه في العصر الأموي.
ويجمع الباحثون في الثقافة الحسانية أن “التبراع” مر بثلاث مراحل أساسية؛ أولها المرحلة القديمة والتي إمتاز خلالها هذا النوع من الشعر بالحشمة وطغت عليه الرمزية واللغز، حيث كانت المرأة تحرص جيدا على السرية. وتغلب عليه تيمة الغزل. والمرحلة الثانية، وهي مرحلة الجرأة وتوظيف المفاهيم جراء التطور الذي عرفه المجتمع بمعيّة الدولة، و الذي جعل المرأة تتحرر بعض الشيء فأصبح المجتمع يلمس في “التبراع”، بعضا من الجرأة، كأن تصرح باسم المحبوب وقبيلته أو من خلال ما يدل عليه بصورة مباشرة، وهي مرحلة مرتبطة بالحياة الجديدة والانفتاح التكنولوجي.والمرحلة الثالثة، والتي كانت تعد مرحلة الخفوت، والتراجع، وإرتبطت مع نهاية التسعينات خاصة بعدما تقلصت البداوة بمفهومها العام وإنشغلت النساء بأمور أخرى كالدراسة والعمل ومتابعة المسلسلات بدل قول الشعر في رجل لا يعرفها حتى.والمرحلة الأخيرة، والحالية، وهي مرحلة البعث والإحياء، والتي ستعرف ظهور مجموعة من الشاعرات اللواتي يحملن لواء هذا الشعر، ويقرضنه بوجه مكشوف، غايتهن إحياء مصطلحات حسانية آيلة للانقراض، والحفاظ عليه من الاندثار، حيث أصبحت المرأة تتغزل بوجه مكشوف، ولكن ليس تغزلا حقيقيا، بل فقط من أجل إحياء التراث.مثل ما تفعله اليوم الشاعرة فرحة بنت حسن و الشاعرة الموريتانية الراضة بنت الفاضل، التي تعتبر أبرع متبرعة في موريتانيا.
وكخلاصة “التبراع” أدب يندرج في خانة الموروث الشفهي الشعبي الذي يحفظ الذاكرة التاريخية لأهالي المنطقة ،وكلام شعري منظوم تبدعه النساء الحسانيات تغزلا في الرجال، وذلك في أجواء خاصة من السرية والكتمان والحرص الشديد على عدم التداول والانتشار، نتيجة للحشمة والوقار والرقابة التي تمارسها الطقوس البدوية في الصحراء، إلا أن السرية المحيطة بشعر “التبراع” لم تمنع وصول بعض روائعه التي تداولها المغنون والمغنيات بشكل كبير.وفي هذا السياق تم تأسيس “جمعية الساقية الحمراء الوطنية النسائية للتبراع وتنمية الإبداع”. للتعريف بهذا الجنس الشعري وإخراجه من السر إلى العلن.
ومن بين الكتب التي تناولت موضوع التبراع نذكر لكم:
_ كتاب “”ظاهرة “التبراع” في الشعر النسائي الحساني، دراسة في النسق السوسيوثقافي والجمالي”، للباحث الدكتور عبد الحكيم بوغدا.
_كتاب “التبراع.. الشعر النسائي الحساني” مجهود جماعي من تنسيق الباحث رحال بوبريك، وتقديم كاترين تين الشيخ، وجمعت متنه وشرحته عزيزة عكيدة، فيما أمنت ترجمته عيشتو احمدو.
_ كتاب “التبراع. نساء على أجنحة الشعر”وهو في الأصل أطروحة جامعية للباحثة العالية ماء العينين.
_ كتاب “التبراع” في الشّعر الشّعبي الصّحراوي الحسّاني للكاتب : لاطرش عبدالله . يحياوي فاطنة .
كلميم.. استحضار الذكرى 68 لانطلاق عمليات جيش التحرير بجنوب المغرب الحسيمة.. دادو بطلا للمرحلة الثالثة والفرنسي كيوم متصدرا للترتيب في طواف الشمال الدولي الجمعية الوطنية للمصحات الخاصة تنظم المناظرة الوطنية للصحة في دورتها التاسعة بأكادير السلطات الجزائرية تفرج عن دفعتين من الشباب المغاربة المرشحين للهجرة ولي العهد يستقبل الرئيس الصيني أمي …نوضي زوجيني “الدبلوماسية المدنية: رافعة جديدة للترافع عن قضية الصحراء المغربية” برقية تهنئة إلى الملك من سلطان عمان تلاميذ مغاربة يتألقون في الرياضيات جمهور إلياس المالكي يحاصر محكمة الجديدة والشرفاء الأحراء لا عزاء لهم، إلى أين يسير المغرب ؟