محمد السلهامي يكتُب: حميد المهدوي… مُزوِّر المعلومة وخاصمُ الحقيقة

وادنون تيفي23 نوفمبر 2025
محمد السلهامي يكتُب: حميد المهدوي… مُزوِّر المعلومة وخاصمُ الحقيقة
محمد السلهامي
محمد السلهامي

إنّ حرية الصحافة لا تُسوِّغ التزييف ولا تبرّر التشويه، غير أنّ المهدوي حوّلها إلى سلاحٍ يشهره في وجه المؤسسات، مُستخدِماً الفبركةَ والطعنَ وسيلتَه المفضّلة لنسف المصداقية وتقويض الثقة.

لا بُدَّ من تسميةِ الأشياءِ بأسمائها. فحَميد المهدوي ليس في ميزان المهنة إلا صاحبَ قناةٍ على “يوتيوب”، تُحرّكه الحماسةُ العمياء، وتستدرجه نشوةُ المزايدة، ويغذّيه شغفُ الاصطناع والتهويل. أمّا الادّعاء بأنّه يمارس الصحافة، فذلك ضربٌ من التلبيس، لا يليق إلا بمن مزج، عن سابق قصدٍ وترصّد، بين شرف الخبر وابتذال الضوضاء الرقمية؛ وهو خلطٌ لا يهدّد المهنة وحدها، بل يطالُ سلامةَ الفضاء العام المغربي كلّه.

فليُكفَّ عن هذا الوهم. فالرجل لا يعرف للضوابط قدراً، ولا للأخلاق المهنية وزناً، ولا لأهل المهنة حرمة. يجوب “يوتيوب” كما يجوب الساعيُ أسواقَ العوام، يبثّ الغضب، ويروّج الفضيحة، ويستجلب الشبهة، ويقتات على الخلط بين المعلومة الرصينة ومهاوي التلصّص والتكسّب.

وبين الفجاجة والتشهير، وبين الصحافة والمحاكمة الافتراضية، يمارس المهدوي صناعةً يومية للتضليل، ويقيم ورشةً لا تهدأ لإخراج الغضب في هيئة مشهدٍ تمثيليّ، يُراد له أن يقوم مقام الحقيقة.

وحين تجرّأ يوم الخميس 20 نونبر 2025 على بثّ مقاطع مقتطعة، على نحوٍ غير قانوني، من اجتماعٍ مغلقٍ تابعٍ للجنة الأخلاقيات في اللجنة المؤقتة لشؤون الصحافة، بعد أن شوّه مادته بمونتاجٍ موجّه، لم يكن قصده تنويرَ الرأي العام، ولا أداءَ واجبٍ مهنيّ. لقد قصد، عن نيةٍ مبيّتة، التشهيرَ والتشكيكَ وزرعَ البلبلة وتقويضَ الثقة في مؤسسات الضبط، وفي مقدّمتها المجلس الوطني للصحافة. وهذه ليست مهنةً تُمارس، بل خطةُ هدمٍ أخلاقي تتواصل حلقاتها.

والأدهى أنّ هذا السلوك ليس طارئاً ولا غريباً. إنّه امتدادٌ لمسارٍ طويلٍ من العود الصارخ. فالرجل يُتابَع اليومَ بتهم التشهير، وقد صدر في حقّه حكمٌ بالسجن سنةً ونصفاً نافذة وغرامةٍ ثقيلة، فضلاً عن سوابق قضائية مثقلة. وللتذكير، فقد أدين بثلاث سنوات سجناً نافذاً بسبب تورّطه في ملفّ “حراك الريف”. وليس في هذه الوقائع أي ظلّ للاضطهاد السياسي؛ إنّها خلاصة علاقة مشوّشة ودائمة مع القانون. فأيُّ مصداقيةٍ تُمنح لأقوال رجلٍ مسبوقٍ قضائياً؟ نحن لسنا أمام شهيد رأي، ولا أمام فعلٍ سامٍ؛ إنما أمام جنحةٍ من جنح القانون العام، بلا بطولةٍ ولا مجد.

ومع ذلك، لا يزال المهدوي يتدثّر بعباءةٍ بالية تُسمّى “حرية التعبير”، يستعملها ستاراً لتبرير الشتم والقذف والتضليل والإساءة العارمة. غير أنّ الحرية لا تعني الفوضى، ولا تُجيز قلب الحقائق، ولا تسمح بتضليل الناس أو رمي الأبرياء بالاتهام طمعاً في ربحٍ سهل أو “بوز” عابر. ثمّ ليقبض، في نهاية المطاف، أجرَه الحقيقي من “يوتيوب”، مشغّله الأول.

إنّ ما يجري يتجاوز شخص المهدوي. إنّه صراعٌ بين رؤيتين للصحافة: رؤيةٌ تتأسّس على المسؤولية والأخلاق واحترام القواعد، ورؤيةٌ تُغذّي الفوضى الرقمية، حيثُ تحلّ الشتيمة محلّ الخبر، وتقوم الفيروسية مقام الحقيقة.

واللجنة المؤقتة، باحتكامها إلى القضاء، ترسم خطاً أحمر واجباً. تذكّر بأنّ الصحافة ليست غابة، وأنّ بطاقة الصحافي ليست رخصةً تُنتهك، ولا شارةً تُغتصب ممّن لا يحترمون شروطها، ويسعون فقط وراء كسبٍ يوميّ زائل.

المغرب لا يحتاج إلى مزوّري الأخبار ولا إلى دعاة البوز، بل يحتاج إلى صحافيين مسؤولين، يقدّرون وزن الكلمة، وحدّة الصورة، وخطورة الاتهام. يحتاج إلى صحافةٍ راشدة، ترافق بصدقٍ ويقظةٍ مسارَه الديمقراطي. فحين تصبح الوشايات والتربّح نموذجاً، تميدُ الديمقراطية. وحين يُستساغ الكذب، تصبح الحقيقة أولى الضحايا.

وأمام هذا المنزلق، أقول لحَميد المهدوي: إنّ الحياد الكامل وهم، وإنّ الصمت تواطؤ. وهناك طريقٌ واحد لا ثاني له: إمّا الذود عن شرف الصحافة، وإمّا تركُ صورتها المشوّهة تتمدّد وتطغى.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.