دخول مدرسي بدرجة مجرم

وادنون تيفي3 ساعات ago
دخول مدرسي بدرجة مجرم
كاتب مشاغب

كقبس نور خفيف.. يضيء عتمة نفق طويل.. نفق نظام تعليمي يحتضر في غرفة الإنعاش.. لا ينتظر سوى إعلان الوفاة.. وإتمام مراسيم صلاة الجنازة والدفن.. ظهر شريط فيديو لشاب مغربي.. وهو يقدم هدية “عمرة” لأستاذه السابق.. في مرحلة الابتدائي.. كعرفان وشكر منه.. لمبادرة جميلة قام بها اتجاهه هذا الأستاذ.. كان لها الأثر الطيب والأبدي على نفسية هذا الشاب.. استحق على إثرها هذا الأستاذ.. وهذا الشاب أيضا.. أن يكونا معا نجما مرحلة الدخول المدرسي هذه السنة.. دخول بارد.. مرتبك.. وأيضا.. دخول قاس.. لا يرحم.. فبينما نتذكر على عهد طفولتنا.. وطفولة من بعدنا إلى وقت قريب.. كان الدخول المدرسي يوم عيد.. يوم فرح.. يوم طبع في ذاكرتنا بلحظاته الجميلة الرائعة.. حيث نصل الرحم مع مدارسنا.. ونعود إلى مقاعد أقسامنا.. ولقاء أصدقائنا.. ومعلمينا.. حيث كانت الحياة تختلف وطعمها مميز لا زلنا نحن إليه إلى اليوم.. نلج مدارسنا كل منا يحمل في يده ورقة بيضاء تحمل أثار قطعها من دفتر قديم.. مطوية بعناية شديدة.. مع شد جزء منها بسدادة قلم جاف.. في استعداد لتسجيل لائحة الكتب والأدوات المدرسية.. البسيطة.. بساطة ذلك اليوم.. ثم نعيد طي تلك الورقة بالعناية السابقة.. من اجل إرجاعها لآبائنا.. والإلحاح عليهم باقتناء تلك الأدوات في اليوم نفسه.. حتى تكتمل الفرحة ليلا بعملية التغليف واللصق.. حتى الأدوات تقريبا كل التلاميذ يحملون نفس الشكل والألوان.. لم يكن هناك اختلاف أو تمييز.. الكل سواسية..

نركب آلة الزمن.. ونزحف مع السنين لأيامنا المباركة هذه.. حيث انقلب الدخول المدرسي مرادفا لحالة الطوارئ.. عند الكل.. من وزارة وموظفين وأسر وتلاميذ.. الكل يشتكي.. وككل سنة.. لا نتكلم سوى عن المخططات والاستراتيجيات والإصلاح .. عن المحفظة.. وثقل حمولتها.. عن النقل المدرسي ..وعن .. وعن.. كأننا كل عام نفاجأ بهذا الدخول.. كأنه جاء دون سابق إنذار.. وكأن مخططات وإصلاحات السنة الماضية لا تصلح لدخول هذه السنة.. كل دخول له سياسته ومخططاته.. وفي الأخير.. يبقى الأب والأم وجها لوجه أمام هذا الوحش الهائج.. وحش الدخول المدرسي.. ولو كان لنا خيار وبديل.. ما دخلناه.. بل لجعلنا منه خروجا مدرسيا.. خروجا من شرنقة المدارس الخصوصية والمكتبات.. الغول الذي يخيف الجميع.. فلعل أقسى دخول مدرسي في العالم.. هو الدخول المغربي.. الكل ينهش.. كأننا أمام أغنى الشعوب.. والحال أننا “كنحيدوها من فمنا ونعطيوها للمدارس”.. أصبح الدخول المدرسي كارثة.. أكثر من الزلزال والطوفان.. لا احد يريد الانخراط فيه.. بل الكل يتمنى أن يتم إلغاءه.. كما ألغي عيد الأضحى.. لأنه أصبح يهدد السلم الاجتماعي.. ما قيمة أن أحاول ضمان تعليم جيد لأبنائي مع جيب فارغ.. والمصيبة انه يتكرر كل سنة.. كل شتنبر.. جعل من هذا الشهر “أيلولا أسودا”.. أكثر كآبة من باقي شهور السنة.. افسد الأجواء داخل البيوت وقلب الفرحة إلى غمة..

ما دمنا نعيش ونساهم مباشرة أو بطريقة غير مباشرة في الوضعية المخجلة التي أصبح يحتلها المغرب بسبب نظامه التعليمي هذا.. سيظل الحنين يشدنا إلى مدارسنا القديمة.. فرغم سرعة نسياننا للكثير من الأحداث.. لكن قلما تجد أحد منا أضاعت ذاكرته أيامه الجميلة داخل الأقسام.. التي كانت لديها مسحة خاصة.. غير تلك المسحة الكئيبة التي توجد عليها أقسام اليوم.. وهنيئا لمن لا دخول مدرسي له.. وكل الويل لمن له أولاد.. أو يفكر أن يكون له أولاد.. أو يفكر بأن يرتبط بمن تأتي له بالأولاد.. فلن يفلت احد منه.. إلى أن نسترجع مدرستنا العمومية القديمة.. مدرستنا التي تستحق بحق أن نغني لها أغنيتنا الجميلة “مدرستي الحلوة”..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.