العطلة سالات

كاتب مشاغب

خديجتو عدي24 أغسطس 2025
العطلة سالات
كاتب مشاغب

لعل من أحلى وأجمل مواضيع الإنشاء – التي كان يبتلينا بها الله في حصة اللغة العربية -.. هي تلك المتعلقة بحكينا عن عطلتنا الصيفية.. وكيف وأين قضيناها.. حيث كنا نطلق العنان لخيالنا الصغير.. وننطلق في التعبير مازجين بين الواقع والخيال.. حيث لا رقيب على قلمنا.. فيكون جل حكينا هي أحلام تمنينا تحقيقها.. فبينما كان اغلبنا لم يتجاوز حدود مدينتنا الصغيرة.. وقضى كل شهور العطلة بين الدروب والحارات.. راجعا إلى المدرسة يحمل جسده أثارا وندوبا تشهد على أيام الشقاوة والتمرد.. وأحسننا حالا من كان له جذر من العائلة.. من أجداد وأعمام وأخوال… استوطنوا نواحي المدينة.. في البوادي والجبال.. هؤلاء كانوا يرجعون إلى فصل الدراسة محملين بمغامرات وذكريات تشفع لهم بملأ الصفحة صدقا لا خيالا.. أما أكثرنا حظا وتوفيقا.. من كانوا يعودون للمدرسة ووجوههم محمرة مسودة.. وجلد أجسامهم مزركش من أثر شمس أغسطس الحارقة.. فنعرف أنهم من المنعم عليهم الذين حضوا بزيارة الشاطئ.. وصلة الرحم مع البحر.. ورؤية ما تصبوا إليه أعين أطفال صغار أبرياء.. حيث يكثر السؤال والنبش عن ما لا يمكن أن يحكى في مواضيع الإنشاء.. وطبعا هنا لا ننسى المخيم.. وذكريات المخيم.. وأصدقاء المخيم.. مخيمات الجمعيات ودور الشباب.. والمؤسسات الاجتماعية لبعض الموظفين.. تجارب لا تزال تطبع ذاكرة جيل بأكمله..

هذا ما كان.. وما كانت عليه العطل والإجازات الصيفية.. البعض لا يبرح باب منزله.. في راحة تامة.. والبعض الآخر ممن لهم الإمكانيات وثقافة العطلة.. يمارس هواية السفر ولو باحتشام.. أما مفهوم السياحة.. بشكله الحالي.. فهو “كونصيبط” جديد.. اقتصادي أكثر.. يلعب فيه المال الدور الأكبر.. أضحى التباهي بالبحر والجبل من نافلة القول.. متجاوزا.. وأصبح تخطي الحدود هو المبتغى.. السفر دون جواز سفر لم يعد سفرا.. ولا حلما.. الكل يريد الرفاهية والسياحة الأنستجرامية.. وأخذ الصور.. وخلق التميز..

وبين هنا وهناك.. أصبح للعطلة.. والصيف.. وشهر سبعة وثمانية.. حساباتها.. والتزاماتها التي لم تتعود عليها الأسر.. جل الأسر.. بات الأمر شبحا كبيرا يطل برأسه علينا منتصف كل سنة.. فقيرا كنت أو “مسك عليك الله”.. أيا ما كان انتمائك الاجتماعي.. لن تهرب من براثن هذا البدعة المستحدثة.. والأمر يتطلب المال.. فالرفاهية والصور والفنادق و”تبدال العتبة” تحتاج ل “فلووووووس كثيييرة”.. ومن كان يؤمن بالمثال القائل “العين بصيرة واليد قصيرة”.. ما عليه إلا “ياخدها منين قصارت”.. ويعتزل العطلة من الأساس.. ويعمل ويدخر و”يدير الفلوس” عساه يوما ما يصله الركب.. ويعيش الرفاهية.. مع عدم تجاهل انه في الزمن الذي حضرت فيه المغامرات والرحلات والصور.. غابت فيه المواضيع الإنشائية.. وا أسفاه..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.