الدنيا دوارة

وادنون تيفي2 يونيو 2025
الدنيا دوارة
كاتب مشاغب

درسنا منذ الصغر.. أن الدين النصيحة.. وأن الدين المعاملة.. وان الدين يسر.. الدين كل ما هو جميل.. لنكتشف مؤخرا أن كل ما درسناه.. كل ما تعب أساتذتنا في تلقينه لنا.. وكل ما تربينا عليه.. لا اثر له علينا.. على حياتنا.. ولا تأثير له في منظومتنا الاجتماعية.. فالدين عندنا لا علاقة له بصلاة.. ولا زكاة.. ولا حج لمن استطاع إليه سبيلا.. الدين أصبح عبارة عن “دوارة”.. “كرشة”.. نبحث عنها لاهثين بين الأسواق والمحلات.. نتوسل معارفنا وأقاربنا من يتوسط لنا عند جزار يمدنا بها.. لا أعراف ولا قوانين تمنعنا من شراءها.. مهما بلغ سعرها.. لا شيء يغلى أمام امتلاك “دوارة” سمينة بشحمها وكبدها وقلبها.. سنمرض ونتأزم نفسيا إذا لم يزين طبقها الجميل مائدتنا يوم العيد.. من يعوض رائحتها النتنة في أنوفنا.. ورائحة شواء الكبد و”بولفاف”.. قد تكون غير ذات قيمة عند باقي المسلمين.. لكنها أهم ركن من أركان العيد عندنا.. نعتبر أكلها.. أو بالأحرى التهامها.. هو نوع من التقرب منا إلى الله.. عشنا واكتشفنا أن “الكرشة” مباركة.. شراءها حسنة.. تسجل بمداد الفخر في سجل حسناتنا عند الله تعلى.. وكلما غلى ثمنها.. مالت كفة ميزان حسناتنا.. وكل قطعة كبد ملفوف بالشحم نلتهمها.. هي كحبات تسبيح نمررها بين أصابعنا مع الإكثار من كلمات التكبير والتسبيح والإجلال..

سيقول قائل أن القطيع في خطر.. واللحم سيختفي.. والثمن سيرتفع.. والسلطة أهابت بنا أن نلتزم.. ولكن كل هذا يسقط.. يسقط أمام سطوة طقسنا السنوي الذي لا تنازل عنه.. فمن هذه “الدوارة”.. وهذا اللحم.. والشحم.. والدخان.. تتقوى روحنا.. ونكتسب خصوصيتنا.. فتمتلئ البطون.. ويتقوى الإيمان.. ونشكر الخالق.. منخرطين في ثقافة خاصة دونية منحطة تعلي من شأن الجسد.. وتعتني به وتحرص على إشباعه.. ولو على مصلحة الوطن.. فلا ذكر للوطن هنا.. فقد ضاعت الجمل الرنانة من قبيل: “الوطن أولا”.. و”الوطن قل كل شيء” و “عاش الوطن ولا عاش من خانه”.. وحلت محلها “الدوارة أولا”.. فهذا حال الدنيا.. كما قال أسلافنا الميامين “الدنيا الدوارة”.. ولم يكونوا على علم أنها أصحبت “دوارة” فعلا.. ورحم الله الإمام الشافعي.. كم كان محقا وهو ينظم قائلا “نعيب زماننا والعيب فينا.. وما لزماننا عيب سوانا”..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.