شهادات للبيع يا محسنين

وادنون تيفي21 مايو 2025
الصورة: هيسبريس
الصورة: هيسبريس
كاتب مشاغب

في منتصف الستينات.. في مشهد من مسرحية شهيرة.. نطق ممثل مغمور آنذاك.. عادل إمام.. بجملة بسيطة.. أصبحت فيما بعد شعارا للمرحلة.. في مصر وباقي الدول العربية.. الجملة كانت تقول.. “البلد دي بتاعة شهادات صحيح”.. يسخر فيها من القيمة الاعتبارية المقدمة لكل من يحمل شهادة جامعية.. فكانت هذه الجملة الارتجالية تحمل وصفا دقيقا لواقع الحياة.. حيث تكثر الشهادات وتغيب الكفاءات..

ومر الزمن.. وتغيرت الأجيال.. وبقيت.. بل وترسخت نفس الأفكار.. الإيمان بان الحصول على شهادة عليا من الجامعة.. هي الضامن الأوحد لمكانة اجتماعية مميزة أولا.. ووسيلة لتسلق السلم الوظيفي بقفزات تختزل الكثير من المراحل والرتب.. فأصبح الكل يتهافت عليها.. دبلومات للدراسات العليا.. ودكتوراه.. مسالك متنوعة.. ووحدات دراسية.. وطبعا ليس الكل في مقدرته وقدراته الحصول عليها.. سواء لاعتبارات ذاتية مرتبطة بمحدودية العلم والإدراك.. أو لأسباب موضوعية تتعلق خاصة بصعوبة التوفيق بين العمل والدراسة في آن واحد.. فكانت الشواهد المؤدى عنها.. من معاهد وجامعات خاصة.. وبغض النظر عن محتوى التحصيل العلمي في هذا النوع من الشواهد.. إلا أنها كانت حلا مناسبا للعديد من الطلبة والموظفين.. وما يشفع لوجودها.. أنها قانونية.. وبمباركة الدولة والوزارة.. ولكن المبالغ المقدمة نظير هذه الشواهد.. وهي في الغالب مبالغ محترمة جدا.. لفتت نظر بعض أساتذتنا الجامعيين الأجلاء.. وجعلتهم يطرحون سؤالا منطقيا.. “علاش خيرنا كيديه غيرنا”.. الطالب منا وعلينا.. “ديالنا وخدا الإجازة عندنا.. يكمل معانا.. والفلوس لي غادي يعطيهم لواحد أخر.. اللهم ناخدوهم حنا”..

كان عهدنا بالجامعة المغربية.. الاحترام.. الصرامة.. الرزانة والانضباط والتحصيل العلمي.. لا نعرف من شواهدها العليا بعد الإجازة سوى دبلوم الدراسات العليا.. بهذا الاسم.. والدكتوراه.. وكان الطريق إلى هذه الشواهد شاقا.. لا يصل نهايته إلا ذو كفاءة عالية وأهلية علمية فذة.. إلى أن اقتحمتها المسالك والوحدات والماستر.. وما أدراك ما الماستر.. دخلت الكلمة حقل التعليم العالي عندنا.. وعاتت فيه فسادا.. وأصبحت شهادة سيئة السمعة.. وكل حاصل عليها مشكوك فيه.. وفي كفاءته.. وجودة تحصيله.. انحرفت عن مسارها.. وحصل عليها كل من هب ودب.. وأضحت تعرض مثل باقي البضائع للبيع.. فهل من مشتري؟؟..

وهكذا أصبح كل أستاذ.. له أصدقاء.. أقرباء.. معارف ومقربون.. يفتح لهم وحدة أو ماستر خاصا بهم.. يؤطرهم ويمتحنهم وينجحون..يكون الشخص معك في العمل.. أو من أفراد العائلة.. أو صديق في المقهى.. حتى تتفاجئ به بين ليلة وضحاها.. ودون مقدمات.. يزف لك خبر حصوله على الماستر.. كيف؟؟.. لا ادري.. حتى دون أن تطأ قدمه الجامعة.. يحتفظون بالسر كي لا ينتبه إليهم أو يشك فيهم احد.. كأنهم يقترفون الجرم المشهود.. إلى أن تجدهم يرتدون زي التخرج.. ويتبادلون التهاني وقرع كؤوس العصائر.. ويأكلون الحلوى.. حلوى التخرج.. وينشرون الصور.. إعلانا باللقب الجديد.. واستعدادا للترقية الوظيفية.. تماشيا وبمباركة بدعة “الترقية بالشهادة” التي ناضلت من اجلها نقابات موظفينا الأجلاء.. تتويجا لهذا المسار المشبوه.. ووسيلة سحرية لحل كل المشاكل..

كم من شخص الآن حاصل على ماستر مشبوه.. ربما العدد كبير.. يتكاثرون ويتفشون في كل المهن.. وكلنا متواطئون في صمت.. فقد نحتاج نحن أيضا في أي لحظة.. إلى ماستر.. ولن نجد أستاذا مشرفا.. ولن نجد من يفتح لنا وحدة خاصة بنا.. ومسلكا على مقاسنا.. في بلاد أصبح كل من فيها له ماستر..

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.