الديربي.. بطعم المقاطعة

وادنون تيفي14 أبريل 2025
الديربي.. بطعم المقاطعة
كاتب مشاغب

أتذكر ذات يوم.. أواخر التسعينيات.. في خضم أجواء مونديال فرنسا 98.. كنا مجموعة من أصدقاء العمل.. نتابع مباراة المغرب والبرازيل.. الكل مندمج في الأجواء.. صياح.. احتجاج.. غضب.. وقبيل انتهاء المقابلة.. يأتينا سؤال من الخلف.. من زميل.. اختار منذ البداية الانزواء بعيدا عنا.. “شكون لاعب؟؟””.. ساد الصمت قليلا.. ثم انفجر الجميع بالضحك.. شخصيا غبطت هذا الصديق.. غبطته على سكوته.. وعلى هدوءه.. وسكينته في هكذا أجواء.. زهده في الكرة “وما يجي من حس الكرة”.. عافاه الله مما ابتلى به سواد الأمة..

الكل أصبح مسحورا.. ملبوسا.. ومفتونا بشيء اسمه كرة القدم.. هي الدين الجديد.. الدين الذي لا يعترف بالاختلاف بين الشعوب.. لا فضل فيه لمسلم أو مسيحي أو يهودي أو لا ديني.. إلا بالنتائج والبطولات.. فهي ليست فقط كرة منفوخة بالهواء.. يتبعها 22 لاعب.. وسط ملعب معشوشب .. يسجل الهدف.. يفرح البعض.. ويحزن البعض الآخر.. بل أكاد اجزم أنها الشيء الوحيد الذي الكل فيه يبكي.. انتصارا وهزيمة.. والفرح هنا لا بد أن يقابله حزن هناك.. معادلة صعبة التحقق إلا في كرة القدم..

يستهين بها البعض.. وبتأثيرها.. بعض المناضلين والسياسيين ما فتئوا يرددون أنها لا تعدو أن تكون لعبة تستعملها السلطة .. وخصوصا المستبدة منها.. بهدف الإلهاء وتشتيت الانتباه عن أمور أعمق في المجتمع.. والحال أن هذا الرأي في الغالب ما هو إلا غيرة وحسد.. غيرة من جلدة بسيطة لها شعبية وجماهيرية وقدرة على الحشد لا يصلها اعتي المناضلين منهم.. فكرة القدم هي الحياة عند البعض.. بل هي الشيء الحقيقي الذي يعيشونه.. بجوارحهم وأحاسيسهم وعواطفهم.. ما يعيشونه من زمن في المجتمع.. لا يعدو أن يكون مجرد وقت مستقطع.. وفترة استراحة بين مبارتين.. فالواقع.. ومشاكل الحياة عندهم.. ما هي إلا الهاء عن الأصل.. عن الحياة الحقيقية.. وعن الإله الأبدي.. إله كرة القدم.. إله من شدة التعلق به .. جعل البعض يطرح سؤالا عن الجنة.. وعن المتع فيها.. وهل من ضمن هذه المتع مباريات كرة القدم.. والبطولات.. وشامبيينز ليك.. وكاس العالم.. اليست هذه إحدى أروع متع الدنيا.. فكيف سيحرم منها في الآخرة.. بالنسبة لهم.. لكم الحور عين.. ولكم وديان الخمر.. والعنب والرمان.. واتركوا لهم فقط المستطيل الأخضر.. في الحياة.. وحتى في الممات.. هو سؤال قد يبدو لدى الناجين من لوثة كرة القدم انه نوعا من الهوس.. وشكلا من أشكال المبالغة.. ولكنه بالنسبة لعشاقها.. فهو سؤال يبرره الحب والوله والتعلق..

وشاهد القول هنا.. ما وقع في الديربي البيضاوي.. من جدل ونقاش.. ثم مقاطعة.. لا ادعي أنني على دراية بخبايا ونقاشات الألترات في المغرب.. ولكن كعاشق للكرة أولا.. ومحايد في الديربي ثانيا.. حملة المقاطعة.. وما وقع قبل المباراة.. يعطي إشارات “زوينة” لمستوى الوعي عند البعض من جمهور الكرة عندنا.. قد تمس صورة الكرة المغربية.. والبطولة المغربية.. ولكن بالمقابل.. فأي حراك جماهيري عفوي.. لا تحكمهم لا تيارات سياسية.. ولا مرجعيات فكرية “من هنا أو لهيه.. إلا ويكون أصدق مثال على حرية تعبير.. فلا احد يستطيع أن يفرض على الجمهور “يمشي للتيران بزز”.. وأظن أن هذه المقاطعة.. وما تخللها.. ويتبعها من نقاش وجلسات.. قد تكون فرصة لجميع المتدخلين لمعرفة الخلل.. وإيجاد الحلول.. وبداية علاج آفة الشغب.. وعموما “أي تعبير وتصرف ما فيهش تهديد للأمن العام.. مرحبا بيه”.. ونلتقي إن شاء الله في الديربي القادم بشبابيك مغلقة..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.