رمضان.. طفولة.. وذكريات

وادنون تيفي17 مارس 2025
رمضان.. طفولة.. وذكريات
كاتب مشاغب

كلنا نتذكر.. نسترجع.. ونستحضر بالكثير من التأثر.. ذكرياتنا في رمضان.. رمضان الطفولة.. رمضان “البراءة”.. رمضان الحقيقي كما نحب أن نسميه.. كأن ما نعيشه اليوم ليس برمضان.. أو ليس رمضان الذي تعودنا عليه.. فقد حلاوته.. طقوسه الخاصة.. لولا صلاة التراويح.. و”الترمضينات” التي ترافق صيام البعض منا.. ما أحسسنا بأننا في الشهر الفضيل.. فاحلي ذكرياتنا كأطفال تجدها مرتبطة برمضان.. بشهيتنا المفتوحة بشكل كبير.. ونحن نلتهم بالنهار ما تركته لنا أمهاتنا كنصيب لنا من وجبة السحور.. نأكله أمام الكبار في تحد كبير.. دون مراعاة لشعورهم.. أو احتراما لصيامهم.. نأتي على الأخضر واليابس داخل المطبخ.. كأننا ننتقم منهم.. من عدم إيقاظهم لنا لمشاركتهم طقوس السحور.. طقوس رمضان كانت تمتد لخارج المنزل.. للعبنا.. للهونا.. وسؤالنا البريء بعضنا لبعض.. “صايم ولا فاطر”.. “نشوف لسانك واش صايم”.. وبياض اللسان هو دليل البراءة والصدق أنك حقا صائم.. وغير ذلك فأنت من المفطرين.. كان منا من يستطيع أن يصوم يومين متتاليين.. ولكنه متشبث بحقه في الإفطار ما دام لم يبلغ الحلم.. فالرسول قال أن القلم مرفوع عن الصبي حتى يحتلم.. وكان منا من يحب ركوب المغامرة.. وتجريب الصيام بتشجيع من الأبوين.. حيث يكذبون علينا كذبة بيضاء.. بان علينا أن ننقطع عن الأكل إلى غاية الظهيرة.. وان نتمم صيامنا في اليوم الموالي من الظهيرة إلى المساء.. وهم سيتكفلون بخياطة نصفي اليوم.. كما يفعلون بالأثواب.. لنحصل في النهاية على يوم كامل.. ويا لسذاجتنا.. كنا نصدقهم.. وقبيل الآذان.. كانت مهمتنا غالبا هي الاستماع والتأكد من صوت المؤذن.. ترسلنا الأمهات لنسمع الآذان في الخارج.. وما هي إلا حيلة للتخلص منا ومن شغبنا حتى يتمكنن من إعداد المائدة في ظروف سليمة.. وبين قفز وجري ومطاردة في الشارع.. وتمثيل لصوت المؤذن.. وصياح وشغب.. حتى نسمع الصوت يرتفع “الله اكبر”.. فينفرط الجمع.. ونتسابق جميعا نحو البيوت لنلحق بالإفطار.. على وعد اللقاء ليلا.. ويهرول الجميع لتناول ما لذ وطاب.. فنتحلق حول المائدة.. قبل الكبار في الغالب.. فلا صلاة تهمنا.. ولا دعاء نفهمه.. ونأكل مرة أخرى.. نأخذ نصيبنا من كل الأطباق.. كأننا نحن من كنا صائمين.. لا تشغلنا تلفزة ولا سيتكوم.. يمر وقت الفطور سريعا.. بعد ذلك تحتضننا الشوارع مرة أخرى.. سهرات ليلية.. أجواء جميلة لا يحسها إلا من عاش لحظاتها.. ليلة القدر كانت بطقوسها الخاصة.. رقص وغناء للبنات بأهازيج طفولية جميلة.. و”شعالة” وطقوس الاحتفال الخاصة بالذكور.. حاراتنا وأزقتنا شاهدة على تلك الليالي.. ليالي اللهو الجميل.. التي ظلت شاخصة أمام أعيننا مهما هرمنا أو عبث بنا الزمن.. كم يكون جميلا لو أن جيل اليوم يعيش شيئا من هذا.. ليصنع له ذكرياته التي ستذكره يوما بالزمان و المكان عوض الالتصاق بالهواتف الذكية.. لقد صار الأطفال مع الانترنيت والشات والمدارس الخاصة مرتبطين أكثر بالخيال.. والعالم الافتراضي.. ابتعدوا عن الواقع.. يقضون سحابة اليوم داخل قوقعة ملؤها الملل والرتابة.. رمضان لا يعنيهم كثيرا.. وحدهم أولاد الفقراء.. وقاطني الأحياء الشعبية.. هم من يلعبون في الشارع.. يسمعون بوجود رمضان.. يتشاجرون.. يضربون بعضهم البعض.. ويمارسون لهوا جميلا يذكرنا بالذي مضى..

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.