‎القيادة الحكيمة ودرس في العدالة و الوطنية

وادنون تيفي10 فبراير 2025
‎القيادة الحكيمة ودرس في العدالة و الوطنية
محمد الجامعي  (مؤسس كرة القدم داخل الصالات)
محمد الجامعي (مؤسس كرة القدم داخل الصالات)

حينما تدخل جلالة الملك محمد السادس لحل المشكلة التي كادت أن تقبر لعبة كرة الصالات في المغرب وهي في اوج انطلاقها حيث ارادوا حرماننا من المشاركة الأولى في كأس العالم بالأرجنتين سنة 1994، أثبت أن القيادة الحقيقية لا تُبنى على القرارات المتسرعة أو التحيز، بل على الحكمة والرؤية الثاقبة، لقد أظهر جلالته تفهمه العميق على دور الرياضة في توحيد الشعب، ورأى في كرة القدم وسيلة لتعزيز الهوية الوطنية وبث روح الانتماء.

‎محمد السادس، الذي كان يدرك أن الإنجاز الحقيقي لا يُبنى بالإقصاء أو التغيير القسري، رفض سحب أحقية تمثيل الوطن من فريق أجاكس الذي استحق هذا الشرف بعد جهد وتفانٍ كبيرين. ولم يقم بتغيير رئيس الجمعية محمد الجامعي بشخص آخر، بل احترم العمل المؤسساتي والقواعد التي أُرسيت، ليُثبت أن النجاح يُبنى على التقدير والاعتراف بالمجهودات، لا على الهدم وإعادة البناء.

‎بهذا القرار الحكيم، أعاد جلالته لنا الثقة في أن القيادة الوطنية هي الضامن الحقيقي للعدالة، والقادرة على أن تكون سندًا لكل من يعمل بصدق من أجل الوطن، ولم يسمح لأي جهة بأن تعبث بالمبادئ الأساسية التي تبني جسور الثقة بين الشعب وقيادته.

‎هذا الموقف لم يكن مجرد تدخل لحل أزمة رياضية، بل كان درسًا في الوطنية والولاء، لقد علمنا أن حب الوطن لا ينفصل عن حب القائد الذي يحمل همومنا ويسعى لتحقيق أحلامنا، زرع فينا جلالته من جديد روح الوطنية، تلك الروح التي تضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار، وتمنحنا الثقة بأن جهودنا لن تذهب سدى، وأن العدل والحق هما الأساس في كل قرار.

‎حينما ننظر اليوم إلى ذلك الحدث، ندرك أن الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل هي أفعال تُترجم إلى قرارات شجاعة وحكيمة، كما يأمر به جلالة الملك محمد السادس. وبفضله، استطعنا أن نعيش تجربة المشاركة الأولى بكل فخر، وأن نشعر بأننا جميعًا جزء من هذا الوطن، نعمل تحت راية واحدة وقيادة واحدة، تُلهمنا حب المغرب وتعزز فينا الولاء والانتماء.

‎فحينما ننسب النجاح لشخص آخر، وكأننا نقول إن البيت الذي تعب شخص ما في بنائه ملكٌ لمن لم يضع فيه حجرًا واحدًا. هذا الظلم لا يضر فقط صاحب الإنجاز، بل يضرب في العمق قيم العدالة والإنصاف التي تقوم عليها المجتمعات. النجاح هو ثمرة العمل الجاد والتفاني، ومن يناله بحق يستحق التكريم والاعتراف، لأن الاعتراف بالفضل لأصحابه هو أساس تعزيز الثقة وتحفيز الأجيال القادمة.

‎حينما يُجرد أحدهم من حقه في الإنجاز أو يُنسب العمل لغيره، فإننا بذلك نهدم ركنًا أساسيًا من أركان الوطنية. الوطنية ليست فقط حب الوطن، بل هي أيضًا احترام الجهود التي تُبذل باسمه وتقدير كل من يسعى لرفع رايته. إن إنكار هذا المجهود أو محاولة تغييره يعني أننا نقلل من قيمة العمل الجماعي ونضعف روح الانتماء.

‎جلالة الملك محمد السادس أظهر بفطنته أن القيادة الحقيقية تكرّس العدالة والإنصاف. لقد فهم أن تحقيق الوطنية لا يتم بإقصاء من حقق الإنجاز، بل بتعزيز الثقة في المؤسسات وفي الأفراد الذين يعملون بجد لتحقيق طموحات الوطن.

‎إن هذا المبدأ يُعلمنا درسًا عظيمًا: النجاح مسؤولية مشتركة، ولكن لكل فرد دوره وحقه الذي يجب أن يُحترم. فمن بنى البيت يجب أن يُنسب إليه الفضل، ومن سهر الليالي لتحقيق الإنجاز يجب أن يُكرّم، لا أن يُستبدل بآخر لم يمر بتلك التحديات.

‎ختامًا، الوطنية ليست كلمات تُقال بل أفعال تُمارَس، تبدأ بالاعتراف بجهود الآخرين واحترام عطائهم. وعندما نتعلم أن ننسب الإنجاز لمن يستحقه، فإننا نبني مجتمعًا عادلًا ومتحدًا، حيث يشعر كل فرد بأن عمله له قيمة، وأن الوطن يعترف بجهده، ليكون ذلك حافزًا له وللأجيال القادمة لبذل المزيد من أجل رفع راية هذا الوطن الغالي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.