
يفعل الجاهل بنفسه وبأهله ما لايفعل العدو بعدوه… مقولة تنطبق على الآباء الذين يرفضون تلقيح أبناءهم نتيجة الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة و تصديق نظريات المؤامرة التي تنتشر عبر منصات التواصل الإجتماعي، ليتفشى مرض الحصبة بين ظَهْرانَيْنَا، ويحصد العديد من الأرواح بصمت غالبيتهم من الاطفال ونحن في أوائل سنة 2025 !
ويعزى إرتفاع عدد حالات الإصابة بالحصبة في معظم الدول لا في المغرب وحده إلى عدم أخذ اللقاحات خلال سنوات جائحة كوفيد-19، حينما كانت الأنظمة الصحية منهكة وتأخرت في إعطاء التطعيمات الروتينية للأمراض التي يمكن الوقاية منها، بالإضافة إلى سلبيات بعض أنواع تلقيح كورونا وتداول منابر اعلامية دولية خبر خضوع بعض الشركات المنتجة لتلقيح كورونا لمحاكمات بسبب مضاعفات التلقيح الذي صنعته مما أدى الى النفور من التلقيح مهما كان نافعا .
وفي الواقع أن الإمتناع عن التلقيح لم يكن بالأمر الجديد، فقد سبق وأعلنت دراسة أجريت سنة 2015 أن هناك أربعة أنماط مختلفة سلوكياً تؤدي عادة إلى رفض اللقاح: التهاون، النسيان أو عدم وجود الوقت لأخذ اللقاح، الإعتقاد بأن اللقاحات غير آمنة، أو أنها أمر شخصي.
لكن أحد أكبر الأسباب الكامنة وراء رفض الآباء للتلقيح هو الإستخفاف بالطبيعة المدمرة للأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات والإعتقاد الخاطئ بأن التطعيمات ليست ضرورية، وهذا أبعد ما يكون عن الحقيقة، لأن التطعيمات هي إحدى أفضل دفاعاتنا ضد الأمراض المعدية، وعلى سبيل الذكر فقد منعت التطعيمات المضادة لمرض الحصبة المعروف محليا ب”بوحمرون” 20 مليون حالة وفاة في جميع أنحاء العالم منذ عام 2000 حسب تقديرات اليونسيف.
وفي سنة 2018 لجأت السلطات الصحيّة الفرنسية الى إقرار إلزامية لقاح الحصبة للأطفال المولودين بعد الأول من يناير 2018، لمواجهة موجة تنامي إصابات عدوى الحصبة في فرنسا، بعد أن كان هذا اللقاح في السابق جزءًا من اللقاحات الاختيارية الموصى بها.
والحقيقة أن الأطفال الذين لا يحصلون على التطعيمات الروتينية يمرضون وأحيانًا يموتون بسبب أمراض يمكن الوقاية منها باللقاحات، وما لا يعيه الممتنعون أن الأشخاص/ الأطفال الغير ملقحين يشكلون خطرا حتى على الملَقحين، لأنهم يصبحون محطة يطور فيها الفيروس من نفسه و يتأقلم مع الأدوية و الجهاز المناعي البشري، كمرض الحصبة الذي للأسف لا يوجد علاج خاص به، فيكون على الجسم محاربة العدوى ذاتيا حتى القضاء عليها أو تقضي عليه.
لذلك، حتى وإن حدث وتسامحنا مع هذا التحليل الشخصي للمكاسب والأضرار الناتجة عن معلومات مغلوطة، فالإعتقاد بأن اللقاحات ليست ضرورية ليس ذا تأثير شخصي أو خاص فقط، ولكن على العكس من ذلك، فاختيار عدم التطعيم يمكن أن يضر بصحة المجتمع بأكمله فيُصبح حينها الجميع في خطر من أن يتفشى هذا المرض مرة أُخرى.. وهذا ما يحدث حاليا ببلادنا حيث عادت موجة الإصابة القاتلة بعدوى الحصبة لتصل أعداد الوفيّات بسببه إلى 120 حالة.
في تسعينيات القرن العشرين أثارت تقارير صحفية المخاوف بأن لقاح الحصبة-النكاف- قد يُسبِّب التوحد، واستندت هذه المخاوف إلى تقرير طبي مضلل ومختصر سنة 1998 عن 12 طفلاً أفاد ذويهم أن ثمانية منهم تلقوا لقاح الحصبة في غضون شهر قبل أن تظهر عليهم أعراض التوحد، ونظرًا لأن تسلسل هذه الأحداث قد يكون ظهر بالمصادفة، قام الأطباء منذ ذلك الحين بإجراء العديد من الدراسات بحثًا عن أي صلة بين اللقاح والتَوَحُّد، لكن لم يتم التوصل لمثل هذه الصلة في أي من الدراسات العديدة.
كما خلصت دراسة متابعة لجميع الأطفال المولودين في الدانمارك بين عاميّ 1999 و2010، بعدد إجمالي 657461 طفل إلى أن لقاح الحصبة-النكاف-الحصبة الألمانية لا يسبب التَوَحُّد بشكل عام ولا يزيد من خطر الإصابة بالتَوَحُّد عند الأطفال المعرضين لخطر التَوَحُّد بسبب التاريخ الأسري.
وعلى الرغم من الدليل القاطع الذي يدعم أمان اللقاحات، إلا أن العديد من الآباء للأسف لا يزالون غير مقتنعين، ونتيجة لذلك، يشهد المغرب تفشي للحصبة حيث سجل لحد الآن 120 حالة وفاة و25 ألف إصابة بالمرض .
أخيرًا، من المهم أن يعلم الآباء أن تأخير أو عدم تطعيم الطفل لا يعرضه للخطر فحسب، بل يزيد أيضًا من خطر انتشار العدوى التي يمكن الوقاية منها باللقاحات إلى الآخرين في المجتمع، إذ يحذر الأطباء من أن فيروس الحصبة معد أكثر بعشر مرات من فيروس الإنفلونزا، ويمكن للمصاب بهذا الوباء أن يجلب العدوى لعشرين، أما في حالة الأطفال في المدارس فيمكن للمريض أن يجلب العدوى لخمسين، وأنه لتجنب تفشي المرض من الضروري تحقيق تغطية تطعيم عالية جدا تبلغ 95%، وهو هدف تسابق السلطات الصحية بالمغرب الزمن لتحقيقه .