مرحبا.. انه عنوان.. بسيط.. مختصر.. ولكنه غير مفيد.. فقط جذاب.. يجعلك تنقر لتقرأ.. فأكون قد حققت هدفي.. ومارست عليك نوعا من الاحتيال/الفهلوة.. كان من الممكن أن اكتب عنوان.. أنا مواطن.. أنا موظف.. أنا مقهور.. ولكن الأمر سيبدو عاديا.. ولا جديد فيه.. وهذا بالضبط ما يسيطر ويحكم سوق المحتوى الرقمي.. ليس عندنا فقط كما نظن.. بل على وجه البسيطة جمعاء.. وهذا ليس وليد اليوم.. فقط نحن من تأخرنا في النظر من نافذة العولمة.. والالتحاق بركب الأمم الموبوءة -إن صح التعبير- بأمراض/ظاهرة التفاهة.. فالغرب تجاوز الصدمة منذ سنين.. وجعل لها صحافة مختصة.. وشخصياتها شهيرة.. عرفت كيف تروج للأمر.. ونحن لا زلنا تحت تأثير ذهول البداية.. مدثرين برداء المحافظة والتدين والتقاليد.. مع أن لا الواقع.. ولا حقيقة المجتمع.. ولا حتى التفكير السوي.. يسمح بالاستسلام لحكم/سيطرة أهل التقية منا.. الذين من جهة.. يدعون النقاء النفسي.. والتصالح الروحاني.. والتبرؤ من كل ما هو تافه/ساقط/سخيف/منحط.. وكل ما تملك من مرادفات لوصف المحتوى الرقمي عندنا.. ومن جهة أخرى.. يتابعون.. ويستهلكون هذه التفاهة/الحموضة.. ويعطوها قيمة.. ويهمشون أي محتوى ذو قيمة جمالية أو فنية أو معرفية.. وما يحز في النفس.. هو انه عند سقوط/حبس أي “مؤثر” من هؤلاء التافهين.. يصمت شعب المتتبعين/المكبسين.. ويؤيدون الاعتقالات والمحاكمات.. كأنهم لم يشاركوا يوما في هذه التفاهة.. فالجماهير عندنا أيضا فاسدة..
وهنا يمكن أن نطرح سؤالا جوهريا.. متى كانت التفاهة جريمة؟؟؟.. وكيف نصنف هذا الشخص بالتافه.. والآخر لا؟؟.. لنترك كل شخص يعبر عما يريد.. ولا نقمع حرية التعبير الافتراضي..فقط نبتعد عن العنف بأنواعه.. والتمييز والكراهية.. فبعض التافهين/الساقطين على الأقل لديهم تصالح مع الذات غائبة إلى حد الانعدام عند الكثير.. وهم الوجه الحقيقي للبعض منا ممن يدعون الطهرانية المزيفة التي يدافع عليها الجميع.. في استغباء كبير للعقول.. فصعب أن يستسلم الجميع للذوق الواحد.. الذي يؤدي بالنتيجة إلى سيطرة نظام نخبوي عقلاني استبدادي يسيطر عليه العبوس والجمود.. فالمراهنة على الثقافة والعمق والمعرفة والرقي.. هو رهان على إنتاج مواطن معقد/انطوائي/سلبي.. فالمواطن السليم/المندمج .. هو في حاجة إلى شيء من الترفيه/التفاهة..في المحتوى.. الصحافة.. الفن.. من رقص.. لهو.. لا فقط إلى عمق لا قعر له.. من وقع فيه لا يمكنه الصعود أبدا من ثقل المعرفة والثقافة والعلوم.. بينما على السطح توجد الحياة السخيفة/السوية.. فالسخف ليس خطيرا لهذا الحد.. بل هو ضروري ومفيد لصحة الإنسان.. ولتوازنه النفسي.. وتشغيل دماغه بشكل سليم.. انه استراحة من العمق.. تدليك للعقل.. لا ينقصه سوى أن ينصح به الأطباء في وصفاتهم الطبية.. فالمطلوب والمرغوب وبالأولوية.. هو شيء من إحسان.. ونجيب.. وسارتر.. وماركيز..وكارلوس زافون.. وأيضا.. وبالاختيار لا الإجبار.. القليل من حجيب والستاتي وولد الحوات.. ولم لا البعض من حلويات التيك توك المتساقطة هنا وهناك.. بعيدا عن نظرية المتفلسفين القائمة على التأثير والتأثر.. ف”لي مكلخ مكلخ.. ولي عنده عنده”.. ليست تفاهة اليوتوب والتيك توك هي من تمنع الخلق والإبداع..
فقليل من العقلانية أصدقائي.. ولا للتطرف.. فقط نحتاج لتأمل تفاهتنا وتافهينا.. لنكتشف أنهم مسالمون لا يؤذون أحدا.. والحذر كل الحذر ممن يبالغ في التحذير منهم.. بالدعوة لسيطرة الجدية والعقلانية والحكمة.. من يجعل التفاهة عدوا هو في الحقيقة تافه من نوع أخر… تافه عميق.. فالتفاهة يمكن أن تتألق.. يمكن أن تتراجع.. ولكنها لن تختفي.. ستظل موجودة.. وليس بالمقدور العيش دون جرعة منها.. وأخيرا.. وعود على بدء.. تقبلوا فلسفتي.. فما أنا بتافه.. ولا عميق.. ولا مثلي.. ما أنا إلا كاتب مشاغب..