نعم.. عرض الفيلم في السينما.. لا.. لم يعرض.. اخذ الدعم .. لا.. لم يأخذ ولو فلسا واحدا.. لماذا.. لماذا فقط مخرجنا الهمام هذا من تقصوه من عطفكم.. من دعمكم.. من حنانكم.. طبعا لأنه مسالم.. محترم.. وديع.. أو بلغة الجهابذة العلماء.. “ولد الشعب”.. وهنا يجب أن نقف.. نتريث.. ونمعن.. أمام هذا المصطلح الخارق لمعانى اللغة والألفاظ.. في البدء أرادوا أن يقنعونا – وبحمولة نفسية خبيثة- أن ولد الشعب هو ذلك المغربي الشهم البسيط الأصيل الكريم النبيل.. وما لا نهاية من المصطلحات الكيوت الجميلة.. حتى أصبح الكل يدعي شرف الانتماء لطبقة أولاد الشعب..
فأي صاحب قناة يوتوب فهو ولد الشعب.. أي ممثل أو فنان.. فهو فنان الشعب.. وطبعا دائما حقه مداس من طرف المسؤولين.. ولم ينل التقدير والاحترام الواجبين لجنابه.. وحبذا لو كان مكافحا..عصاميا.. خريج المدرسة العمومية.. سينال شرف الانتماء بسرعة.. بالمختصر المفيد.. يجب أن تكون فقيرا..فولد الشعب الحقيقي هو الفقير/المزلوط الحقيقي.. وتستحق التضامن والتعاطف وأبناءك هم ولاد الشعب كذك.. ولديك بطاقة تضمن لك كل الصلاحيات لتفعل ما تريد.. وتجد من يقف في صفك ويؤيدك.. بدعوى “مسكين وماعندوش”.. أما إذا كافحت وتحسنت وضعيتك قليلا/وبان عليك الخير.. ستسقط عنك جنسية أولاد الشعب للأسف.. ويرتفع منسوب الحقد الطبقي ضدك.. ويجب أن تترفع عن المطالبة بحقك أمام/ضد أبناء الشعب الحقيقيين.. فقط لأنهم أولاد الشعب..
وهنا نكون أمام حالة اجتماعية شاذة.. تقوم أساسا على تعويض النقص المادي الذي يشعر به البعض.. إلى نوع من الدلع/الفشوش الإجرامي.. وطبقية مقيتة تقوم على مصطلح عنصري بغيض لن تجد شبيها له في المجتمعات التي تحترم نفسها.. وللأسف كلمة شعب لم تعد تعني كل المجتمع.. وإنما فقط من يسكن الأحياء الشعبية والهامشية..
وهذا ما نتج عنه أن كل أمراض مجتمعنا الجميل أصبحت مرتبطة بهذا المفهوم.. فولد الشعب في الواقع أضحت هي مرادف في الغالب للفوضى وضعف التربية وانعدام الأخلاق واضمحلال القيم.. ومسؤولية ذلك ليست على عاتقهم فقط.. بل هي كذلك في عنق الدولة بدورها التربوي وترسانتها القانونية لضمان جودة هذا القطيع من الناس.. فولد الشعب الذي ندافع عنه هو من يستعمر كل الأزقة والشوارع صباح مساء.. ثم نحتج عن احتلال الملك العام .. وهو حارس السيارات الذي يبتزنا عند كل وقت وحين.. وهو قاطع طريق بناتنا.. وصاحب البقالة الذي يرفع الثمن دون رقيب.. والخضار.. والكساب.. والشناق..و..و.. وجميع من تشتكي منهم في كل وقت وحين.. حتى وان ترقى اجتماعيا شيئا ما.. وأصبح في منصب المسؤولية.. فيكون قد وصل لمنصب ما بعد سنين من كبت الرغبات/الأحلام الغير المحققة.. وقبل خدمة الشعب.. يعمل على تحقيق هذه الرغبات المتراكمة.. ليس له فقط.. بل لأبنائه وعائلته.. وسلالته جمعاء.. ولا يلتفت لتحقيق تطلعات الشعب منه إلا بعد انقضاء مدة مسؤوليته.. فيطالبهم بمنحه فرصة أخرى.. مختبئا وراء جملة “أنا ولد الشعب” .. يمسح فيها كل مصائبه وجرائمه وزلاته وخطاياه.. فيصدقوه.. وهكذا دواليك..
اختصارا..مصطلح “ولد الشعب” هو مصطلح لا معنى له.. بدون سند تاريخي.. ظهر مع سيرورة زمنية معينة.. مرتبطة بحراك اجتماعي ثوري.. تقوم على نظرية السلطة الشعبية المنزهة عن كل الأخطاء.. والحال أن المراد والمبتغى هو أن تكون الأسبقية/الأولوية لمصطلح الدولة.. المواطنة.. الديمقراطية.. حيث القانون يطبق بصرامة وتكافئ فرص.. ورؤية مستقبلية تروم المصلحة للجميع.. فنحن كمواطنين لدينا جميعا نفس الحقوق والواجبات.. لا يهمني هل أنت ولد الشعب أو ولد أمك أو أبوك.. هذا شانك/سوقك.. كن ابن من تريد.. كن فقط مواطن.. فانا لا أحاكمك.. ما أنا إلا كاتب مشاغب..