أثار تقرير نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية تساؤلات كبيرة بشأن التعيينات التي قام بها رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، لشخصيات تربطهم علاقات اقتصادية قوية بمصالحه التجارية في المناصب الوزارية العليا. التقرير يعكس قلقًا متزايدًا بشأن تأثير الأوليغارشية على الحياة السياسية في المغرب، حيث يبرز الروابط الوثيقة بين عائلة أخنوش والوزراء المعينين، مما يعزز المخاوف من تزايد هيمنة الاقتصاد على السياسة.
وتتزامن هذه التعيينات مع اقتراب الانتخابات التشريعية القادمة، مما يعيد فتح النقاش حول علاقة النخب السياسية والاقتصادية في البلاد، وما إذا كانت هذه العلاقة تمثل تهديدًا لتوازن القوى الديمقراطية في المغرب.
التعيينات الجديدة: نفوذ اقتصادي يتسلل إلى السياسة
أثارت تعيينات رئيس الحكومة جدلاً واسعًا، حيث تم اختيار شخصيات ذات صلات اقتصادية قوية بمصالح أخنوش التجارية. على سبيل المثال، تعيين محمد سعد برادة وزيرًا للتعليم، رغم ارتباطه بمجموعة “أكوا” التابعة لأخنوش، يثير تساؤلات حول مدى الكفاءة المطلوبة في اختيار الوزراء. كما تم تعيين أمين التهراوي وزيرًا للصحة، على الرغم من صلته الوثيقة بعائلة أخنوش، مما يزيد من المخاوف من استخدام المناصب الوزارية لتعزيز الولاء السياسي بدلاً من الكفاءة.
الأثر الاجتماعي: معاناة المواطن في ظل الأزمات المتواصلة
تحت وطأة الأزمات الاقتصادية، يعاني المواطنون المغاربة من ضغوط كبيرة على مستوى المعيشة. وفقًا لاستطلاع أجرته شركة “سونيرجيا”، أظهر أن 83% من المواطنين يواجهون صعوبات بسبب ارتفاع تكاليف الحياة اليومية. هذه الأرقام، إلى جانب بيانات المندوبية السامية للتخطيط، تؤكد تفاقم الفجوة الاجتماعية، وهو ما يرفع من حدة القلق بشأن استمرار ما وصفه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي عام 2011 بـ “بذور الأزمة الاجتماعية”، التي يبدو أنها لم تجد حلولًا فعلية بل ازدادت تعقيدًا.
استغلال الموارد: هل باتت الزبائنية استراتيجية حكومية؟
تعيين وفاء جمالي على رأس وكالة وطنية تدير مليارات اليوروهات المخصصة للفئات الهشة يعزز المخاوف من استغلال الموارد العامة في تشكيل قاعدة دعم سياسي لأخنوش. كما يشير الخبير السياسي محمد مدني إلى أن هذه التعيينات قد تفتح المجال أمام استغلال هذه الهيئات لأغراض زبائنية، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل ثقة المواطنين في المؤسسات العامة ويدعو للتساؤل حول نزاهة الانتخابات المقبلة.
التوترات الداخلية: صراع الأوليغارشية مع البيروقراطية
تشير التقارير إلى وجود خلافات بين أخنوش ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت، ما يعكس صراعًا بين القوى الاقتصادية (الأوليغارشية) والبيروقراطية التقليدية داخل الحكومة. إذا استمر هذا التوتر دون حل، فقد يؤدي إلى تدهور أداء الحكومة وزيادة حالة عدم الاستقرار السياسي.
الانتخابات المقبلة: اختبار جديد لأخنوش
مع اقتراب الانتخابات التشريعية في 2026، يظل التساؤل قائمًا حول قدرة أخنوش على الترشح مجددًا. إذ لا تزال ذكريات حملة المقاطعة التي استهدفت “أفريقيا غاز” عام 2018 حاضرة، مما يزيد من احتمال تعرضه لرفض شعبي واسع. هذا قد يفتح المجال لمنافسة قوية من أحزاب أخرى مثل حزب الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال، في الوقت الذي لا يزال حزب العدالة والتنمية يعاني من تراجع ملحوظ.
المستقبل السياسي: أي طريق يسلكه المغرب؟
في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة، يجد المغرب نفسه أمام مرحلة حاسمة. فهل ستتمكن النخب السياسية من تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية ومتطلبات الإصلاح الديمقراطي؟ أم ستظل هيمنة الأوليغارشية تلعب الدور الأساسي في تشكيل مستقبل البلاد؟ تبقى الإجابة مرهونة بتطورات الأحداث القادمة وردود فعل المواطنين على هذه التحولات.