مدن لازالت شامخة وشاهدة على التاريخ والحضارة والثقافة(1).. مدينة نول لمطة بجماعة أسرير

وادنون تيفي5 ديسمبر 2024
مدن لازالت شامخة وشاهدة على التاريخ والحضارة والثقافة(1).. مدينة نول لمطة بجماعة أسرير
بقلم عبدالهادي سيكي، توظيب ومراجعة إسماعيل سيكي

ترجع تسمية مدينة نول الى الوادي الشهير المسمى بوادي نول و هونهر يقع على بعد سبعين كيلومترا شمال وادي درعة الذي ينحدرمن جنوب الأطلس الصغير مرورا بكلميم ويصب في المحيط الأطلسي بمنطقة أصبويا، وقد تم تحريف اسم الوادي من نول الى نون إذ يطلق عليه حاليا بواد نون، وقد تأسست المدينة على يد قبيلة لمطة الصنهاجية التي كانت تسكن تلك المنطقة، ولهذا السبب تمت اضافة اسم القبيلة الى اسم المدينة لتصبح نول لمطة نسبة الى القبيلة المؤسسة للمدينة.

تعد مدينة نول لمطة واحدة من المواقع الأثرية البارزة في جنوب المغرب، وتوجد في منطقة كلميم وادنون، وهي منطقة تمتاز بتاريخ عريق وحضارات متعاقبة، تعتبر نول لمطة من المدن القديمة التي تحمل طابعاً ثقافياً غنياً يعكس عراقة المنطقة وموقعها الاستراتيجي بين الصحراء والبحر، تكمن أهمية هذه المدينة في أنها تحوي آثاراً تاريخية تعود إلى فترات مختلفة من العصور الإسلامية القديمة والممتدة في بعض جوانبها إلى ما قبل الفتح الإسلامي.

تقع نول لمطة في جهة كلميم وادنون، في منطقة الجنوب المغربي، وهي واحدة من المدن التي تميزت بوقعها الاستراتيجي على طرق التجارة القديمة التي كانت تربط بين الصحراء الكبرى والساحل الأطلسي، وتُعتبر هذه المدينة محطة هامة في شبكة الاتصال والتبادل التجاري بين الشمال والجنوب، وكان لها دور في مسارات التجارة وتبادل الثقافات عبر العصور.

المدينة الأثرية نول لمطة تعتبر من أهم المواقع التي تبرز تاريخ المنطقة، وقد شهدت العديد من العصور التاريخية المهمة، حيث كانت مركزاً حضارياً مزدهراً في العصور الإسلامية الوسطى،خصوصاً خلال الفترة التي شهدت امتداد تأثيرات الثقافة الأمازيغية والعربية على المنطقة، ويعكس الطابع العمراني للمدينة مزيجاً من هذه التأثيرات في الأساليب المعمارية والتخطيط الحضري.

تعد المدينة نقطة تواصل حضاري بين مناطق المغرب الداخلي وجنوب الصحراء الكبرى، كان لها دور في التجارة المحلية والدولية، حيث تميزت كمركز للطرق التجارية التي كانت تربط غرب إفريقيا بشمالها والمناطق الساحلية، إذ تم اكتشاف العديد من الآثار التي تشير إلى وجود علاقات اقتصادية وثقافية وثيقة مع الممالك الإسلامية القديمة.

أهمية نول لمطة في تاريخ المغرب

مدينة نول لمطة تُعتبر جزءاً من تاريخ المغرب العريق، فهي تمثل أحد المواقع التي تسهم في فهم كيف تطور المراكز الحضرية في المناطق الصحراوية، وتُعتبر المدينة جزءاً من التراث الحضاري الذي يعكس التفاعلات بين ثقافات مختلفة، سواء في التجارة أو في الدين والعادات الاجتماعية، كما تمثل واحدة من المحطات الهامة في دراسة تاريخ المنطقة في العصور الوسطى، خاصة بالنسبة لدور المناطق الجنوبية في التاريخ المغربي، وهو ما يفتح المجال لفهم أفضل لعملية اندماج الأنماط الثقافية المختلفة بين الأمازيغ والعرب والمجتمعات الإفريقية.

العلاقة التاريخية بين مدينة نول لمطة والدولة المرابطية

تعتبر الدولة المرابطية واحدة من أبرز الدول الإسلامية التي نشأت في المغرب خلال العصور الوسطى، حيث أسست حضارة عميقة أثرت في شمال غرب إفريقيا والأندلس، تشكل مدينة نول لمطة في هذا السياق جزءاً مهماً من التاريخ المرابطي، بما أن هذه المدينة، التي تقع في جنوب المغرب، كانت إحدى المحطات الاستراتيجية في تلك الحقبة الزمنية، وقد لعبت دوراً مهماً في العلاقات التجارية والثقافية بين شمال إفريقيا والمناطق الصحراوية والداخلية في غرب إفريقيا، وكان لها اتصال وثيق مع الدولة المرابطية التي نشأت في منتصف القرن الحادي عشر.

الدولة المرابطية: نشأتها وتوسعها

تأسست الدولة المرابطية على يد الأمير يوسف بن تاشفين في عام 1056م بعد أن استطاع توحيد قبائل صنهاجة الأمازيغية التي كانت تسيطر على الصحراء الكبرى والمرتفعات الغربية من المغرب، وكانت هذه الدولة قائمة على دعوة إصلاحية دينية تهدف إلى نشر المذهب المالكي والتمسك بالتقاليد الإسلامية المعتدلة،عملت الدولة المرابطية على توحيد الأمازيغ في غرب إفريقيا، كما سعت للهيمنة على المناطق الساحلية والجبلية التي كانت تضم مراكز حضرية وتجارية مهمة.

وقد كانت منطقة الصحراء، التي تشمل مدينة نول لمطة، جزءاً من هذه الامبراطورية، إذ كان المرابطون يعتمدون على المواقع الصحراوية والمناطق الحدودية كمعابر تجارية هامة وقلاعا دفاعية ضد الهجمات الخارجية،إضافة إلى أنها كانت كحلقة وصل بين المغرب وساحل غرب إفريقيا.

العلاقة بين مدينة نول لمطة والدولة المرابطية

تتمتع مدينة نول لمطة بموقع جغرافي استراتيجي بين الصحراء الكبرى وساحل المحيط الأطلسي، وهو ما جعلها نقطة اتصال حيوية بين المغرب وأقاليم غرب إفريقيا، كما كانت تقع على أحد الطرق الرئيسية التي تربط المراكز التجارية الصحراوية بالمناطق الساحلية، الأمر الذي يجعلها أحد المراكز الهامة في شبكة الطرق التجارية التي اهتمت بها الدولة المرابطية.

كانت الدولة المرابطية قد توسعت بشكل كبير في مناطق الصحراء الكبرى وتطلعت إلى توسيع علاقاتها التجارية مع المناطق التي تحتوي على الثروات الطبيعية مثل الذهب والملح، وهي موارد حيوية كانت تجذب التجار من جميع أنحاء العالم الإسلامي،وقد لعبت نول لمطة دوراً مهماً في تسهيل هذه العمليات التجارية، حيث كانت مركزاً للتجارة وتوزيع البضائع القادمة من أعماق الصحراء أو عبر معابر جنوب المغرب.

الاستقرار الديني والسياسي في المنطقة

استطاع المرابطون أن يرسوا الاستقرار في المناطق التي سيطروا عليها، مما سمح لمدينة نول لمطة بالازدهار، كانت دولة المرابطين تسعى للإصلاح الديني تحت لواء المذهب المالكي، وقد ساعدت هذه الدعوة على توحيد المجتمعات الأمازيغية المتنوعة من الناحية الدينية والسياسية والإجتماعية، ويُعتقد أن مدينة نول لمطة قد استفادت من هذا الاستقرار الديني، حيث تم تأسيس مساجد ومدارس دينية تعكس الطابع المرابطي في بناء المؤسسات الإسلامية.

كانت مدينة نول لمطة بمثابة نقطة دفاع استراتيجية ضد الهجمات التي كانت قد تأتي من المماليك أو من مناطق أخرى في الصحراء، وهذا الدور العسكري كان يتكامل مع دورها التجاري والديني. تضاف إلى ذلك أهمية موقع المدينة في تسهيل انتقال العلماء والمفكرين بين مناطق غرب إفريقيا والمراكز الثقافية في المغرب والأندلس.

التحولات الثقافية والتجارية

خلال فترة حكم الدولة المرابطية، شهدت مناطق المغرب الكبرى وخاصة الصحراء تغييرات ثقافية وتجارية عميقة، كانت نول لمطة بوابة رئيسية للتجارة بين المغرب والصحراء الكبرى، حيث عبرت منها قوافل التجار القادمة من بلاد السودان والصحراء إلى شمال إفريقيا، كما كان لهذه المدينة دور بارز في نقل السلع مثل الذهب والملح والعبيد، مما جعلها جزءاً من شبكة تجارية واسعة تشمل غرب إفريقيا وبلاد الأندلس.

وتزامن هذا النشاط التجاري مع تحولات في الثقافة الإسلامية في المدينة، يعتقد أن نول لمطة قد استقطبت العديد من العلماء والتجار الذين جلبوا معهم معارف جديدة في الفقه المالكي، والشعر، والفلسفة الإسلامية، مما ساعد على نشر الثقافة الإسلامية في الصحراء والمناطق المحيطة.

الآثار المرابطية في نول لمطة

تعد الآثار المعمارية في نول لمطة من أهم الشواهد على تأثير الدولة المرابطية في المنطقة. من خلال الدراسات الأثرية، يمكن ملاحظة العديد من العناصر المعمارية التي تحمل الطابع المرابطي، مثل الأسوار الدفاعية، والمساجد التي تتبع النمط المعماري البسيط والمناسب للمناطق الصحراوية. هذه المعالم تظهر كيف أن مدينة نول لمطة كانت تتبع في تنظيمها معايير الدولة المرابطية، سواء من حيث البناء أو في تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية.

تأثير المرابطين على السكان المحليين

أدى حكم المرابطين على مدينة نول لمطة إلى إدخال العديد من التحولات في الحياة اليومية لسكان المدينة، فقد أثرت هذه الفترة في الأنماط الاجتماعية والسياسية، إذ تزامنت مع تشكيل طبقات اجتماعية جديدة مرتبطة بالتجارة والأنشطة الدينية والعسكرية، كما أدت السياسة المرابطية إلى تحول بعض من سكان المنطقة إلى الزراعة والرعي، وفقاً للمتطلبات الاقتصادية للدولة.

الخاتمة

تظل العلاقة بين مدينة نول لمطة والدولة المرابطية مثار اهتمام كبير من قبل الباحثين في مجال التاريخ المغربي والإفريقي. حيث إن نول لمطة كانت، ولا تزال، تمثل نقطة وصل بين ثقافات متعددة، وكانت جزءاً لا يتجزأ من النظام السياسي والاقتصادي الذي أنشأته الدولة المرابطية في غرب إفريقيا، ورغم أن المدينة شهدت العديد من التغيرات عبر العصور، إلا أن إرثها المرابطي لا يزال باقياً في معمارها ومكانتها التاريخية التي تربط بين الصحراء والساحل .

الوضع الحالي

يواجه الموقع الأثري لمدينة نول لمطة تحديات كبيرة في ما يتعلق بالحفاظ على الآثار وصيانتها، إذ لا تزال المدينة تعاني من الإهمال والافتقار إلى الاستثمارات الكافية في مجال الحماية والترميم، وفي ظل عدم الاهتمام الكافي، يتعرض الموقع لبعض التهديدات مثل تآكل الأبنية وتعرض النقوش والآثار للتلف.

في السنوات الأخيرة، بدأت بعض المبادرات والبرامج المحلية والدولية في محاولة لتسليط الضوء على هذا الموقع الأثري، حيث تم إنشاء بعض المشاريع للحفاظ على الآثار وتعزيز السياحة الثقافية.

ختاما، تمثل مدينة نول لمطة جزءاً من الذاكرة التاريخية للمغرب، وهي واحدة من المواقع الأثرية التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والبحث العلمي، تعد هذه المعلمة التاريخية رمزاً للغنى الحضاري الذي شهدته مناطق الجنوب المغربي، وهي تبرز كحلقة وصل بين التاريخ القديم والماضي الثقافي للحضارة المغربية، إذا تم الحفاظ عليها بشكل جيد، يمكن أن تساهم في إثراء السياحة الثقافية ودراسة تاريخ المغرب بشكل أعمق.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.