مؤخرا.. وعلى غير العادة..وضد كل معتقداتنا عنها.. قررت مدينتا الهاجعة في سباتها الأزلي العميق.. وفي محاولة منها للعب دور الإغراء والتحرش بساكنتها.. تعرت أولا من كل لباس كان يسترها.. ويغطي مبانيها.. من متاجر.. ومقاهى.. ومحلات ..فعكس كل المدن التي تحرر الملك الأرضي.. مدينتا العزيزة قررت تحرير الملك الهوائي.. واتبعت حركة التعري هذه بحركة أخرى.. أكثر إثارة و إغراء.. الصباغة والتزيين.. وكزوجة لعوب استنجدت بمساحيق التجميل.. وأنثى تريد إبراز مفاتنها لزوج دائم النكد والاحتجاج… أرادت مدينتنا أن تقول لنا.. أنا أيضا جميلة.. حسناء..مبهرة.. يحق لكم أن تفخروا.. وتعتزوا بي أيما اعتزاز أمام كل المدن الأخرى.. انتم لا تعرفون قيمتي الحقيقة.. تبا لكم..
وانطلقت عملية التزيين/الصباغة.. والحق أنها كانت مبادرة حسنة.. غيرت شكل المدينة كثيرا.. وحدة اللون وتناسقه.. بين الأبواب والجدران.. منحنا شكلا جميلا للمباني.. راحة للعين.. شكلا متناسقا.. وتغييرا للأفضل على غير العادة.. فطوبى لمن نال نصيبه منها.. ولكن.. ويا ويلتاه من لكن هذه.. مدينتنا العزيزة وهي تقوم بحركتها هاته.. تناثرت وتطايرت صباغتها.. حتى وصلت جدار مؤسستنا العريقة.. ثانويتنا العتيقة.. باب الصحراء.. بما لها من حمولة تاريخة كبيرة.. وما يشكله منظر سورها المميز.. بطريقة بنائه.. وأحجاره المرصوصة وفق نظام وتنسيق تام.. منحه منظرا جميلا.. بديعا.. جعله دائما رمزا لهذه الثانوية .. بل أكثر من ذلك .. أصبح رمزا عمرانيا للمدينة كلها.. شاهدا على تطورها وتاريخها منذ السبعينات.. معلمة تجاوز عمر تشييدها الخمسين سنة.. وبحركة غير مدروسة.. تمت صباغتها.. تغيير شكلها ومعالمها.. كان بالأحرى ضرورة الحفاظ على حاله وشكله الأصلي.. فذلك يساهم في التأصيل لتاريخ بنائه.. فالتاريخ لا يرحم من يتساهل أو يضيع حق المكان.. كالإنسان تماما.. وأي معلمة أو منشاة.. حتى البسيطة منها.. يجب أن تحظى بالعناية اللازمة.. والحفاظ عليها من هجوم التمدن المتوحش.. والتجديد الغير عقلاني.. يساهم في هذا غياب التنسيق بين المتدخلين.. وانعدام الوعي بقيمة الحفاظ على ذاكرة المكان لدى المسؤولين… فجذور المشكل مرتبط بذهنية مجتمعية عامة .. هي سجينة أمية كبيرة بالموروث الأثري.. القديم منه والحديث.. فلا ندرك القيمة العمرانية للأثر إلا عند تغيير معالمه أو هدمه..
فهلموا.. وابحثوا في صوركم.. القديم منها والحديث.. لعلكم تكونوا قد فزتم بصورة لسور ثانويتنا العظيم.. فبعد بضع سنين .. سيصبح الأمر من التاريخ الجميل.. كصور باقي أحياء المدينة العتيقة التي مستها معاول التحديث.. فأصبحت نسيا منسيا.. يتباكى علي مآلها من عاصر وجودها.. أما أنا.. فلسان حالي يقول ما باليد حيلة.. سأبكي مع البكائين.. وأتجرع الغصة بمرارة.. وأسير إلى حال سبيلي باستسلام.. فما أنا إلا كاتب مشاغب.