انتهى الإحصاء.. وظهرت النتائج… وبدأت التأويلات والتعاليق .. كل يدلي بدلوه.. فنحن علماء في فن التحليل والنقاش والاستنتاج.. في كل المجالات.. من الاقتصاد.. إلى الدين والفن والرياضة والسياسة.. فتجد صديقنا أمام كاس شاي أو فنجان قهوة يناقش انتصار ترامب ووصوله للبيت الأبيض.. كما يناقش لائحة المنتخب الوطني وغياب زياش.. ومصير حزب الله وعلاقته بإيران.. وزيارة ماكرون ومناوشات الجزائر.. و..و..و.. والعجيب انه يفحمك في نقاشاته بإقناع تام كأنه خريج اكبر الجامعات.. هكذا نحن عادة.. نفهم في كل شيء.. ولا شيء..
لا علينا..نرجع لموضوعنا لكي لا نتوه.. كم كنا في شوق لسماع نتائج إحصاءنا العزيز.. لنعرف كم نحن.. الكل يعاني من الإكتضاض.. والزحام.. صيفا وشتاءا.. والعشر سنوات الأخيرة ربما نكون قد تضاعف عددنا أكثر من مرة.. 40 مليون؟؟.. لا ..هذا الرقم نسمعه من مدة.. أكيد أكثر بكثير..45؟؟..50؟.. ربما..وأخيرا هلت علينا الأرقام.. 36 مليون.. مليون ينطح مليون كما يقول أخواننا المصريين.. كيف؟؟ اليوم تأكد لدينا أكثر أننا نعيش بالبركة فقط.. فالله وضع البركة حتى في تعدادنا السكاني.. مظهرنا يوهم بأكثر من حقيقتنا.. اللهم زد وبارك.. ولكن لماذا 36 بالضبط؟؟ ..لماذا ليس 35؟؟ أو 37؟؟.. 36 مع ما يحمله هذا الرقم عند المغاربة من دلالة خاصة.. دلالة العته.. الحمق.. التسطية.. طرونط سيس.. شيلاه اسيدي زاكور.. شيلاه أولاد سيدي عمر بن لحسن دفيني مدينة برشيد.. هل الأمر صدفة أم كناية على أن أكثر من نصف تلك الستة والثلاثون هم مجانين لا ينقصهم إلا اعتراف الطبيب.. كما قال احد الوزراء السابقين.. ربما..
ولكن وأمام هذا الرقم الغير منتظر.. كان ولابد أن يظهر أصحاب التيار التشككي.. التيار الذي يجعل من الشك مذهبا له في الحياة..واغلبهم من العباقرة الذين تحدثنا عنهم في البداية… هم ابلغ تجسيد لمقولة ترابط الشك بالوجود.. لا يمكن أن يقبل شيئا دون نقاش أو تحليل.. فما بالك ببلاغ يحمل توقيع سلطة حكومية.. وهو الذي مبدؤه في الحياة هو تكذيب كل ما تقوله الحكومة.. فالمؤسسات عنده ممكن أن تكذب في أي شيء.. وكل شيء.. حتى في حالة الطقس كما قال احدهم.. فالكذب كما قيل ثلاثة.. ابيض.. واسود.. ونتائج الإحصائيات.. فهي وضعت للتوجيه والتأثير لا غير.. فتجد المواطن منا مستعد لتصديق أقوال قارئة فنجان قهوته.. ولا يصدق سطرا واحدا من أقوال النشرة الإخبارية في التلفزيون الرسمي.. فهو مقتنع اقتناعا راسخا وإيمانا قويا.. مع سبق الإصرار والترصد..أن حكومته لا يمكن أن تصدق معه .. لأن الصدق لا يحمل بين طياته إلا الصدمات والفضائح..هذا دائما على حسب عباقرة التشكيك.. واقرب مثال نتذكره ونستحضره هو محنة كورونا.. مهما كانت أرقام الإصابات التي كانت تعلنها الحكومات.. فإن الشعوب لم تكن تثق بها.. يقول المذيع إن عدد الوفيات بلغ كذا.. فتلعب الفئران في أعباب المستمعين المتوجسين .. ويضربون الرقم في الضعف ليستنتجوا الرقم الحقيقي..وظهر مجتهدو الأرقام.. من كانت هوايتهم تقدير الأرقام الحقيقية.. بل هناك من تجاوز الأمر عنده إلى اللامعقول.. والى يومنا هذا لا زال يعتبر الأمر فخ..مزحة.. تدبير ماسوني ضد البشرية.. الله اكبر.. والأمر ليس محلي فقط.. بل هو عدوى عالمية.. فتجد الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين والصينيين…و..و.. يتهمون كبارهم بالخداع.. هي خصلة عالمية.. وتيار شكي كوني قوي إذا جاز التعبير.. ولا يمكن أن تتغير علاقة التجاذب وسوء الظن بين الشعوب وحكوماتها… سنظل دائما نتفرج على التعليقات والتخمينات.. ولا أحد يحلم بأن يتوقف التلفزيون في معظم البلاد عن المحاباة.. ليس لأن حبل الكذب قصير.. ولا لأن الكذاب يذهب إلى النار.. ولكن والله اعلم.. لان الكذب أصبح جزئا من اللعبة.. تكملة للديكور.. وحتى المواطن المتشكك.. وجد نفسه مع الأيام مجبرا على التصديق.. ليس لأنه مجبر على ذلك.. ولكن لأنه أيضا يريد ذلك..
وعلى ذكر الجنة والنار.. فشرعا لا يجوز الكذب إلا لضرورة ماسة.. أو مصلحة معتبرة .. كما قال الفقهاء.. والواضح ان كذب الإحصاء هو من الكذب المحبب.. الذي لا ضرر فيه على أحد.. والله اعلم.. فانا لا عالم إحصاء.. ولا فقيه دين.. ما أنا إلا كاتب مشاغب.