إستطاعت المرأة المغربية أن تخطو خطوات تاريخية مشرّفة متناسبة مع ثقافة مجتمعها ومتغيرات العصر ومخرجاته، وذلك بفضل ولوجها مختلف المعاهد والجامعات، وتمكنت من تبوأ العديد من المناصب القيادية في كثير من القطاعات الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، حيث أثبتت أنها أهل للتمكين والثقة، وبأنها ملهمة لغيرها من الرجال والنساء على حد سواء، وأنها شريكة الرجل في الوصول إلى أهداف التنمية المستدامة بالمملكة.
ومع التحول والنهضة التنموية والإجتماعية التي تعيشها بلادنا والتي من أبرز معالمها تمكين المرأة في كل المجالات والقطاعات، كان الإعلام من أبرزها حيث إستقبلت أقسام الإعلام بالجامعات المغربية ومعاهد الإعلام العامة والخاصة عشرات الطالبات القادمات من الأقاليم الجنوبية، واللاتي أسهمن في تعزيز الإعلام المحلي وتوطين صناعة إعلام جهوي يواكب التنمية التاريخية التي تعيشها الأقاليم الجنوبية منطلقاً من أسس وطنية ومهنية ذات بعد إستراتيجي لما يمثله الإعلام من أهمية كبيرة كصناعة ذات تأثير هائل على الإنسان والتنمية.
وعند الحديث عن تمكين المرأة، تتوقف كل المحطات عند عَرّاب الرؤية وقائدها جلالة الملك محمد السادس الذي كتب تاريخاً جديداً لمسيرة المرأة المغربية وتمكينها عبر مسارات الرؤية ودعم التشريعات الممكنة لرفع نسبة مشاركتها في سوق العمل
وإن أي متتبع عادي أو متخصص في الشأن المحلي بالأقاليم الجنوبية سيلاحظ بروز المرأة ودورها الفعال في المشهد الإعلامي المحلي والوطني، فمنهن من أخذن على عاتقهن إدارة مؤسسة وتسييرها ومنهن من إنفردن بتخصصات داخل قطاع السمعي البصري، ومنهن من أثبتن حضورهن الكتابي بالجرائد المكتوبة والالكترونية، وبات دورهن لا محالة واقعا ملموسا عبر الحضور الكمي والكيفي والتموقع في مراتب القرار، فكان النتاج بروز المرأة الإعلامية بالاقاليم الجنوبية كقوة فاعلة إيجابية مؤثرة في المجتمع من خلال سعيها لتحسين أوضاع المرأة، ومشاركة ابن الوطن في الدفع بعجلة التنمية الوطنية، والذوذ عن مقدسات الوطن، مستظلة بكامل حقوقها، وبتشريعات مكَّنت من دورها الفاعل في مسيرة البناء والنماء.
وعند الحديث عن تمكين المرأة، تتوقف كل المحطات عند عَرّاب الرؤية وقائدها جلالة الملك محمد السادس الذي كتب تاريخاً جديداً لمسيرة المرأة المغربية وتمكينها عبر مسارات الرؤية ودعم التشريعات الممكنة لرفع نسبة مشاركتها في سوق العمل، بدءًا من تأكيد جلالته في خطابه السامي سنة 1999، أسابيع قليلة بعد توليه سدة الحكم أن “النساء شقائق الرجال وحق الولوج المتكافئ إلى فرص العمل”، وإقراره سنة 2003 العاشر من أكتوبر من كل عام يومًا وطنيًّا للمرأة، مرورا بمدونة الأسرة سنة 2004، والتي هي الآن قيد المراجعة، والتي شكلت قفزة نوعية آنذاك مكّنت النساء المغربيات بشكل عام من تحسين وضعيتهن، قبل أن يساهم دستور 2011 في تكريس المساواة في الفصل 19، فضلا عن إقرار هيئة المناصفة ومحاربة جميع أشكال التمييز ضد النساء، وصولًا إلى تقليدها المناصب القيادية في كثير من القطاعات الإقتصادية والسياسية والاجتماعية، فأصبحت المرأة المغربية عموما والصحراوية خصوصا محط أنظار العالم للحديث عنها في منح الثقة الملكية الكاملة وأنها مواطنة على قدر المسؤولية تسهم بشكل فعّال في مسيرة التنمية بالمملكة.
وبهذا، بات التمكين الإعلامي للمرأة ومشاركتها أولوية في سياسة حكومة المملكة، فتم التوقيع على ميثاق وطني لتحسين صورة المرأة في الإعلام المغربي، والكف عن التعامل معها كسلعة، وقد جاء الميثاق الموقع سنة 2005 كإطار للعمل على تعبئة مختلف الفاعلين، من أجل الانخراط في تكريس ثقافة المساواة بين الجنسين والنهوض بوضعية الإعلاميات، وإشراكهن في صناعة القرار.
وتزخر الأقاليم الجنوبية للملكة بكفاءات نسائية إعلامية يمثلن الجهات التي ينتمين اليها خير تمثيل في مجالات الصحافة والإذاعة والتلفزيون، ومما لا شك فيه أن سوق العمل في وظائف ومهن الإعلام بالأقاليم الجنوبية يشهد نمواً متزايداً خصوصاً مع إحداث معاهد متخصصة في الإعلام، وتطور وسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يوفر لخريجات الإعلام فرصاً في سوق العمل المحلي والإقليمي، وتعزيز مكانة المرأة إعلاميا وتكليفها بأدوار قيادية في مجالات التخطيط الإعلامي والتنفيذ، بما يعكس المكانة والأهمية التي تمثلها المرأة الصحراوية المغربية في المجتمع الحساني، بإعتبارها حكاية وعنصر أساسي في بناء وتغذية نسيج هذا المجتمع.
معاهد متخصصة في الإعلام..
من مظاهر التمكين الإعلامي للمرأة بالأقاليم الجنوبية إنشاء معاهد خاصة تعنى بتدريس تخصصات الإعلام المختلفة، ولعل أبرزها معهد الجزيرة للصحافة والاتصال بمدينة الداخلة، ومعهد الصحافة المتخصص في السمعي البصري، و معهد الصحافة وعلوم الأخبار بمدينة العيون .
حاورت وادنون تيفي السيد أبا حازم تقي الله، رئيس مجلس إدارة معهد الصحافة وعلوم الأخبار، الذي أوضح أن المعهد تأسس سنة 2020 بمبادرة من شباب وفعاليات إعلامية بالأقاليم الجنوبية، وهو يمزج بين التكوين النظري والتطبيقي في مجموعة من التخصصات كالسمعي البصري، الصحافة المكتوبة،الصحافة الالكترونية، شعبة الصحافة والتواصل المؤسساتي.
ويقر أبا حازم أن نسبة الإناث تشكل نسبة 70٪ من طلبة المتدربين في مهام الصحافة والتواصل بالمعهد، مؤكدا أن عدد خريجات المعهد إنتقل من 12 صحفية سنة 2021 الى 25 صحفية سنة 2023، تمكن 9 منهن من الحصول على البطاقة المهنية داخل منشآتهم الصحفية برسم سنة 2024، مشيدا بدور الإعلاميات في الأقاليم الجنوبية في إيصال الخبر والمساهمة في تنمية مجتمعهن، معتبرا أنهن يخطين خطوات ثابتة من أجل إثبات ذواتهن، وتعزيز مكانتهن في صدارة المشهد الإعلامي الوطني.
بدورها، بيّنت السيّدة فاطمة لمين، المديرة الجهوية لقطاع التواصل بجهة العيون الساقية الحمراء، أن حضور المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية عرف ثورة خلال العشرية الأخيرة، والأرقام المعلن عنها في هذا الباب تعد مشجعة بالنظر لما سبق، إذ أن عدد الصحفيات الحاصلات على بطاقة الصحافة المهنية من المجلس الوطني للصحافة يزداد سنة تلو الاخرى، وهذا نتاج دعم الجهات المعنية للنساء الإعلاميات بالأقاليم الجنوبية، بالإضافة الى إحداث معاهد خاصة للإعلام، الأمر الذي ساهم في الزيادة من تطوير المهنة ورفع منسوب كفاءة المهنيات الإعلاميات بهذه الأقاليم.
الإعلام السمعي البصري
وعلى صعيد الإعلام المرئي الرسمي، ساهمت قناة العيون في بروز المرأة الإعلامية المنحدرة من الأقاليم الجنوبية، حيث تولت مجموعة من الصحفيات تقديم نشرات الأخبار والربورطاجات، وكذا تنشيط برامج حوارية وثقافية تعنى بالثقافة الحسانية والشأن المحلي للأقاليم الجنوبية.
وحسب المعطيات المتوفرة للجريدة فإن عدد العاملين بالقناة 80 مستخدما منهم صحفيون و مصورون صحفيون، وموضبون وتقنيون في مختلف مهن الإعلام، تتجاوز نسبة الإناث الأربعون بالمائة من هذا العدد.
وبالموازاة مع الإعلام المرئي الرسمي بالأقاليم الجنوبية المتمثل في قناة العيون، ساهم الإعلام السمعي الرسمي المتمثل في إذاعتي العيون والداخلة الجهويتين في فتح المجال لنساء الأقاليم الجنوبية عامة ونسائها الإعلاميات خاصة في إيصال أصواتهن، ورصد ونقل مختلف المستجدات التنموية والاجتماعية والسياسية بالمناطق الجنوبية، وإبراز الثقافة الحسانية بكل تلاوينها، والتفاني في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية.
مقاولات إعلامية..شغف بالمهنة يتصدى للتحديات والعوائق
أما على مستوى الصحافة الإلكترونية فقد ساهمت الطفرة التي شهدتها الصحافة الإلكترونية في المغرب مؤخرا، وفتح المجال قانونيا للقطاع الخاص للإستثمار في مجال الإعلام في استقطاب عدد كبير من خريجات تخصصات الإعلام لإنشاء مؤسَّسات صحفية الكترونية، يشرفن عليها ويدرن الفريق العامل بها ويترأسن النشر والتحرير، وفي مقدمتهن خديجتو عدي التي انشأت جريدتها الإلكترونية المحلية والوطنية ” وادنون تيفي” بمدينة كلميم.
وتعد خديجتو من الإعلاميات الوادنونيات المثابرات، إذ بعدما تحصلت على ماستر متخصص في مهن وتطبيقات الإعلام بجامعة ابن زهر بأكادير، وتلقت تدريبا في عدة منابر إعلامية، أبانت خلالها عن كفاءة عالية، تمكنت من إطلاق جريدة الكترونية، وخلق مناصب عمل لصالح صحافيين ومصورين عاملين معها، وتقول عن تجربتها: “تحقيق مشروعي لم يكن سهلاً، لكن الإصرار هو الحافز الأكبر نحو تحقيق كل ما ترغب الوصول إليه المرأة المغربية بالأقاليم الجنوبية، وبالأمس القريب كانت تبدو فكرة امرأة صاحبة مقاولة إعلامية بالجهة أمرا صعب المنال، لكنني إستطعت تجاوز كل الصعاب لإثبات ذاتي وتحقيق حلمي، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الصورة النمطية لم يعد لها أثر في ظل مبدأ المناصفة والحرية والقوانين التي جعلت للمرأة مكانة بارزة في مناصب القرار”.
وترى خديجتو أن أهم التحديات التي تواجه المقاولات الإعلامية بجهة كلميم وادنون مرتبط أساسا بمحدودية الإمكانيات المادية والبشرية، وغياب سوق الإشهار وكذا بعد مراكز التكوين عن الجهة، ما يحرم الوسط الإعلامي الجهوي والوطني من الكثير من الكفاءات الإعلامية، مشددة على أن المقاولات الإعلامية بالجهة مطالبة بتفعيل دور الإعلاميات الجنوبيات من خلال فتح مجالات التدريب والتأهيل الإعلامي التخصصي بتقنيات الإتصالات الحديثة وإعطاء المرأة الإعلامية فرص العمل المتميز، والسعي من أجل تطوير المحتوى الإعلامي الذي يتم تقديمه.
وفي السياق ذاته أكدت لطيفة شهيد، رئيسة تحرير الجريدة الالكترونية “نون بوست”، أن المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية تواجه عدة تحديات مرتبطة أساسا بالخصوصية الإجتماعية و الإقتصادية للمنطقة، وتعتبر قلة الفرص المهنية في المجال الإعلامي، والهشاشة التي تطبع المؤسسات الإعلامية أحد أبرز التحديات التي تواجهها، إضافة إلى نقص فرص التكوين، رغم مناخ الحرية الذي باتت فيه المرأة تنعم بسهولة الولوج إلى عالم ظل إلى عهد قريب حكرا على الرجل.
ويتطلب التغلب على هذه التحديات، حسب لطيفة، جهودًا مشتركة تشمل تعزيز البنية التحتية الإعلامية وتوفير التوجيه والتدريب المهني المناسب و كذا تقديم الدعم اللازم لتمكين المرأة الإعلامية وتعزيز دورها في تطوير المجتمع المحلي.
وفي هذا الصدد، أكد المدير الجهوي لقطاع التواصل لجهة كلميم وادنون، السيد مصطفى جبري، أنه لرؤية الجزء المملوء من الكأس وجب الإعتراف بأن مهنة الإعلام بالجهة مهنة تتأنث سنة بعد سنة وتبرز معها مجموعة من الكفاءات التي فرضت وجودها في الساحة الإعلامية الجهوية، بإعتبار الإعلام الجهوي ركيزة أساسية في عملية التنمية المحلية.
وإعتبر السيد جبري أن حضور المرأة بالجهة في المشهد الإعلامي يترجمه عدد النساء الصحفيات الحاصلات على بطاقة الصحافة المهنية من المجلس الوطني للصحافة إذ لم يكن يتجاوز صحفيتين إثنتين لينتقل العدد إلى تسع صحفيات مهنيات إلى حدود أبريل من سنة 2024.
ويضيف المدير الجهوي لقطاع التواصل انه منذ إحداث المديرية الجهوية للتواصل بالجهة سنة 2018، وهي تحرص على دعم الإعلام الجهوي المهيكل والمنظم ليكون مصدرا للمعلومة الحقيقية التي تستند عليها وسائل التواصل الإجتماعي مما يسهم في الحد من الإشاعات الإعلامية والتي من شأنها أن تثير البلبلة ونشر ثقافة العدمية والإنتقاد الغير البناء والغير المستند على الوقائع الصحيحة.
وتتطلع المديرية الى إدماج الإعلام الجهوي والمحلي في النموذج التنموي الجديد وتوطيد العلاقة بينه وبين مجالس الجهات في إطار من التكامل والتعاون بما يسمح لهذا الإعلام الجهوي والمحلي أن يشكل شريكا أساسيا في مواكبة كل الأوراش، و تشجيع حضور المرأة إلى جانب زميلها الرجل في الحقل الإعلامي المحلي والجهوي، وكذا العمل على إستهداف الجيل الناشئ عبر تشجيع النوادي الصحفية المدرسية للتوجه لمعاهد الصحافة والإعلام إضافة إلى السهر على تنظيم المهنة وتأطيرها قانونيا وأخلاقيا عبر التكوين المستمر في المجال.
المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية قوة ضاغطة تساهم من منبرها في الدفاع عن الوحدة الترابية للملكة
وعن دور المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية في الترافع عن القضايا الوطنية أكدت الإعلامية بقناة العيون، فاتحة لمين، الحاصلة على ماستر في الإعلام، والمتوجة بالجائزة الوطنية الكبرى للصحافة صنف الانتاج الحساني، أن المرأة الإعلامية الجنوبية حاضرة وبقوة لتناضل وتدافع وتدلي بدلوها كغيرها من أجل القضايا الوطنية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية للملكة قائلة: ” نحن نناضل من أجل مجتمعنا ووحدة وطننا، إيمانا منا أننا نؤدي رسالة إعلامية هادفة ذات قيمة عالية نظرا لإرتباطها بمقدسات الأمة المغربية، وهناك أسماء كثيرة لنساء ينحدرن من الأقاليم الجنوبية للملكة كن رمزا للنضال الإعلامي، ورائدات في مجالهن كالمرحومة امباركة الزروالي التي مارست الإعلام منذ حقبة الإستعمار الإسباني، بالإضافة الى فاطمة الهاشمي، وليلى ماء العينين اطال الله في عمرهن … ونحن كإعلاميات الجيل الحالي لا أقول أننا ندافع على المغرب لأن المغرب ليس بحاجة إلى من يدافع عنه، فتاريخه العريق والموغل في القدم، ودبلوماسيته الرزينة والحكم الرشيد الذي ينعم به تحت إمرة جلالة الملك محمد السادس جعلت منه بلدا يحظى بإحترام الجميع، ومانقوم به هو دعم مشروع الحكم الذاتي الذي يقترحه المغرب من أجل التسوية النهائية للنزاع المفتعل حول الصحراء، وتعرية بروبغندا أعداء الوحدة الترابية للمملكة، وكشف زيف أطروحتهم، وعدم السماح لهم بتضليل الرأي العام الدولي و تمرير مغالطات بخصوص الملف، من منطلق إفتخارنا بالإنتماء لهذا البلد الحبيب أولا، ومن منطلق أننا أقلام إعلامية حرة نسخرها للحق و لا نتهاون مع الزيف والمناورات الخبيثة التي تمس بقضية كل المغاربة على حد سواء، وهذا بالضبط، ما أدى اليوم الى تحييد الكثير من الأصوات الإنفصالية والمعادية للمغرب، وفرض واقع تعبيري ومهني وطني مختلف”.
وتردف فاتحة: “ساكنة مخيمات تندوف هم مواطنون مغاربة محتجزون قسرا تحت حكم طغمة عسكرية تسير جماعة مليشيات على رأس تلك المخيمات، وهؤلاء المحتجزين بحاجة إلى أن يروا الحقيقة بأم اعينهم وان يكتشفوا عكس ما تروج له جبهة بوليساريو ومن خلفها عرابتها الجزائر من أكاذيب حول صحرائنا المغربية، واليوم بات سكان المخيمات متابعون أوفياء للقناة يطلعون من خلالها على مسلسل الإقلاع الذي تشهده هذه الربوع من المملكة، وأكاد أجزم أنه لو فك الحصار عنهم لفر كل هؤلاء إلى الوطن الأم هربا من جحيم تندوف وقيادة عصابة الرابوني..رسالتنا لها تأثير قوي وتزعج خصوم الوحدة الترابية ومادامت تزعجهم فنحن صائبات وعلى الدرب سائرات”.
الملحفة..سمة ترافق المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية
وما يميز المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية للملكة هو عدم تعرضها ل “الميز في المظهر الخارجي”، فحين يعتبر اللباس محددا أساسيا لبروز الصحافية على مستوى الشاشة ويفرض عليها لباسا معينا، ويذكر في هذا السياق عدد من الصحافيات بقنوات اخرى كن يقدمن نشرات الأخبار والبرامج وتوارين عنها بمجرد أن ارتدين الحجاب، حرصت المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية على أن تظل وفية لملحفتها الجميلة والبسيطة سواء خلال ظهورها على شاشة التلفاز أو ورائه أو خلال حضورها وتغطيتها لمنتديات ومحافل محلية ووطنية أو حتى دولية.
وفي هذا الصدد صرحت الإعلامية إبنة وادنون، حيجب التامك، خريجة المعهد العالي للصحافة والإعلام بالدار البيضاء والتي تعمل كمراسلة وصحفية بقسم الأخبار بالقناة الأولى بجهة سوس ماسة : “أولاً أنا أنتمي إلى جهة كلميم وادنون وأصولي صحراوية أبا عن جد، وأفتخر بزينا التقليدي الملحفة الذي يعتبر أحد مكونات هويتنا الثقافية المتوارثة لدى حافظت على إرتدائه، لأنه يتميز بأناقة وجمالية متفردة ومتميزة “.
وتضيف حيجب: “رغم إشتغالي بمنطقة سوس الشاسعة وطابعها الجغرافي الذي يتسم بوجود مناطق جبلية بعيدة ومسالك طرقية وعرة لكن هذا لا يمنعني دائما في التغطيات الإخبارية التي أقوم بها ميدانيا من إرتداء الملحفة، وحتى عندما أقدم مراسلات للقناة خلال تغطيتي للقاءات ومحافل دولية أرتدي الملحفة و التي ربما يعتبرها البعض غير عملية بالميدان لكن إصراري وافتخاري بإنتمائي يجعلني متشبتة بأصولنا الصحراوية الغنية والمتميزة والضاربة في عمق التاريخ” .
وأيدت سلم المباركي، صحفية بقناة العيون حاصلة على الدكتوراه، ما جاء على لسان حيجب التامك حيث صرحت : “لقد تربينا منذ نعومة أظافرنا على أن المرأة هي مفخرة هذا المجتمع وسيدته الأولى، لما تحظى به من تقدير من قبل الجميع، وما يميزها هو تمسكها المفرط بعاداتها وتقاليدها الموروثة إجتماعيا، والملحفة أحد هذه التقاليد المتوارثة، والتي ترمز للحشمة والستر والوقار، كما ترمز للجمال والأنوثة أيضا، ولم يسبق أن تعرضت لأي ميز بسبب إرتدائي الملحفة حتى في بدايات مشواري الإعلامي بل حظيت بكل الإحترام .
وتضيف سلم : “وأود أن أشير إلى أن الملحفة كانت ولا تزال إلى حد اليوم لباس أساسي للمرأة الصحراوية بالأقاليم الجنوبية عموما، سواء كانت عاملة أم لا، وإذا كانت بعض المجتمعات العربية تعاني من تراجع أهمية الأزياء التقليدية لصالح الأزياء العصرية فإن المرأة بالأقاليم الجنوبية لا ترضى بغير “ملحفتها” وتتمسك بها حتى في أسفارها وتنقلاتها خارج البلاد”.
على أثير الإذاعة.. يصدح صوت إعلاميات الأقاليم الجنوبية
تستعرض الإعلامية الدوشة بكار، الحاصلة على الإجازة في المجال السمعي البصري من المعهد العالي للإعلام والإتصال بالدار البيضاء ونائبة رئيس فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية بالداخلة، تجربتها الشخصية التي راكمتها لأزيد من 34 سنة، كرست خلالها نفسها وجهدها ووقتها للنهوض بالإعلام الجهوي المسموع، من خلال العمل على ملامسة أبرز القضايا الإجتماعية والثقافية والإقتصادية التي تشغل بال المستمعين وعموم المواطنين في الجهة، وقد أضحت الدوشة من الأصوات النسائية المحلية التي أثبتت نجاحها و شهرتها على أثير إذاعة الداخلة الجهوية.
وتشير الدوشة بكار في تصريحها لوادنون تيفي الى أنه لايمكن أن يختلف إثنان على حقيقة أن المجتمع الحساني من بين أكثر المجتمعات إنصافا للنساء، والأكثر تقبلا لكل أوضاعهن الشيء الذي يفسر قوة المرأة الحسانية، وثقتها وإعتدادها بنفسها، ويظهر هذا الشيء جليا من خلال دعم كل مكونات المجتمع الحساني لعملها في “مهنة المتاعب”، حيث حافظت المرأة الإعلامية على حضورها الإجتماعي(القبيلة)، والأسري وتجاوزته الى ماهو عملي وتنموي، تحظى فيه بكامل الإحترام.
وختمت المذيعة الدوشة بكار حديثها بتعزيز القول بأن التوفيق بين العمل وبين الاسرة مهمة صعبة على جميع النساء العاملات في الحقل الإعلامي، لكن ما يميز الإعلامية بالأقاليم الجنوبية هو تقبل المجتمع لها ومساعدتها في ذلك ودعمها .
من جهته، أكد السيد الدخيل لبات، المدير الجهوي لقطاع التواصل بجهة الداخلة وادي الذهب، أنه ” لا يمكن الإستهانة أبدا بقدرات المرأة بشكل عام في الحقل الإعلامي ودورها بالأقاليم الجنوبية للمملكة في التأثير وصناعة الأخبار، وقدرتها على النقاش وإدارة المقاولة الإعلامية بكل جدارة وإستحقاق، إذ تسلَّحت بالشهادات العلمية والخبرات المهنية، لتصبح جزءاً لا يتجزأ من المشهد الإعلامي المحلي والوطني، لكن رغم ذلك لا زال ظهور وحضور المرأة بأقاليمنا الجنوبية من واد نون إلى وادي الذهب أقل من الرجل، ولا تزال الثقافة الذكورية مسيطِرة إلى حدٍّ ما في ولوج مهن السمعي البصري، ويستمر المشهد الإعلامي بشكل عام يتعامل بشيء من الخجل مع الطاقات الإعلامية النسوية خصوصا الصحافة المكتوبة والإلكترونية حيث لا تتجاوز الصحفيات بالجهة الحاصلات على البطاقة المهنية للصحافة من المجلس الوطني للصحافة عشر صحفيات، خمس منهن يشتغلن بجرائد الكترونية و خمس أخريات يمارسن الإعلام بإذاعة الداخلة الجهوية”.
من حلم الطفولة..الى إمتهان الإعلام
مباركة خيار، إعلامية جنوبية شابة تنحدر من إقليم بوجدور، إختارت لنفسها باكرًا مسيرة خاصة، متسلحة بالعزيمة والمثابرة للوصول الى حلم طفولتها…عارض والدها ميلها في صغرها نحو الإعلام ثم عاد ووافق وإعتز بنجاحاتها.. غادرت الأقسام التحضيرية لشهادة التقني العالي، ثم التحقت فيما بمعهد الصحافة وعلوم الأخبار بالعيون، ثم المعهد العالي للصحافة والإتصال بالدار البيضاء و الذي لا زالت تتابع به سلك الماستر حاليا، وتعمل في نفس الوقت كصحفية بالجريدة الالكترونية “Sahara plus” .
وتروي مباركة تجربتها مع معهد الصحافة وعلوم الأخبار بالعيون، والتي استفادت خلالها هي وباقي طلبة المعهد من مجموعة من اللقاءات والدورات التكوينية الخاصة بالجانب الصحفي والإعلامي، بالإضافة الى تدريبات ميدانية مكنتها من التمكن من أبجديات المهنة، تحكي امباركة: ” كان لهذه التدريبات دورا بارزا في تدريبنا فكرياً وعملياً، فطموحي منذ صغري أن أصبح إعلامية، ولا زلت أطمح الى إحداث جريدة الكترونية تعزز حضور المرأة الإعلامية بالمشهد الإعلامي الجهوي والوطني.. اليوم نصيحتي لكل طالب و طالبة أن ينخطروا في البرامج والأنشطة التي تساهم في زيادة معرفتهم وخبرتهم، لأن المعرفة جعلت عقلي ينظر للتفاصيل الإستثنائية وجعلتني أرى في ذاتي تميزاً”.
فتوتة هنون، صحفية ومصورة بالجريدة الإلكترونية “الصحراء الآن”، حاصلة على دبلوم تقني متخصص معد ومنتج في الاتصال من معهد الجزيرة للصحافة وعلوم الاتصال بجهة الداخلة وادي الذهب، آثرت التحدث عن دور المرأة الإعلامية الجنوبية في تغيير المواقف والصور النمطية السلبية للمرأة بالإعلام حيث بدت أكثر تفاؤلا تجاه واقع صورة المرأة بالإعلام .
وتشرح فتوتة قائلة: “حضور المرأة الإعلامية لم يعد يقتصر على لعب دور الواجهة الإعلامية، بل أصبح لها تأثير في الواقع، وبعد أن تعود المجتمع المغربي عموما على متابعة إعلام نسائي غير منتج ولا يقدم وجهة نظر، نسعى نحن كإعلاميات إلى تغيير ذلك بتركيزنا على المرأة الوزيرة والسياسية والشاعرة والكاتبة والمنخرطة بتعاونية… ولهذا نجحنا في تقديم صورة مغايرة لسيدات صنعن مكانا لهن في مجتمعهن”.
وترى فتوتة أن المرأة الإعلامية لابد لها ان تتحلى بعدة مميزات من ضمنها المصداقية والشفافية وإستقاء الخبر من مصدره الصحيح، وإختيار الموضوعات الملائمة لترسم لنفسها مسارا يتسم بالإحترافية.
ولا زال الطريق مزهرا أمام المرأة الإعلامية بالأقاليم الجنوبية، ولا زالت تؤسس لنفسها مسارات واعدة وطموحة، تطمح من خلالها أن تحظى باهتمام أكبر، وأن يسمح لها بتبوأ مناصب وأدوار المسؤولية في القطاع، وترأس وسائل إعلام ولجاناً إعلامية لأكبر المؤتمرات العلمية والثقافية، ووضع السياسات واللوائح الممكنة لذلك، وحصد جوائز تشير إلى علو مكانتها وتساعدها على تنمية مواهبها وإستثمار طاقاتها، بما يتناسب مع تطلعات القيادة الحكيمة التي منحت المرأة كل سبل التمكين ويعكس الصورة الأسمى للمرأة كأنثى تمثل نصف المجتمع وتعد وتربي النصف الآخر.