كيف نقرأ فيلما سينمائيا؟

وادنون تيفي23 مارس 2024
كيف نقرأ فيلما سينمائيا؟
نورالدين بوخصيبي
نورالدين بوخصيبي

 

مع أنه توجد زوايا نظر متعددة لقراءة الأفلام السينمائية، فانه يمكن مع ذلك رصد حد أدنى تلتقي فيه كل تلك التجارب.
لكن القراءة الفيلمية بحاجة بداية إلى رؤية ثقافية و سينمائية.. و في غياب هذه الرؤية تكون القراءة مبتسرة و غير ناجعة..
و هناك عموما زاويتان أو أسلوبان لقراءة فيلم سينمائي.. زاوية النقد و زاوية التحليل الفيلمي. و الملاحظ، بالمناسبة ، أن مجموعة من المهتمين و المتتبعين يأخذون على مجموعة من النقاد كونهم لا يقومون بالتحليل الفيلمي.. و يكتفون بالانطباعات السطحية و بالمعلومات الشائعة الملتقطة من هنا و هناك، حول المخرج و الممثلين…
ان القراءة الفيلمية هي نفسها بحاجة إلى إبداع و إلى خيال، انها هي نفسها إبداع بشكل ما، لأنها ليست عملية آلية كما يقوم البعض بذلك، انما هي عملية معقدة تتطلب مجهودا للبناء و قوة الملاحظة و البحث و عمق التحليل للوقوف عند مستويات النص الفيلمي… كما تتطلب معرفة بتاريخ السينما، و بالتيارات السينمائية، و كذلك بأهم النظريات و المناهج النقدية، فضلا عن معرفة بأدوات و تقنيات التحليل الفيلمي و التحليل السميولوجي، كل ذلك ينضاف إلى معرفة بالأساطير و التراث الثقافي كما بالعلوم الانسانية كعلم النفس و علم الاجتماع و الأنتروبولوجيا… الخ..

لكن القراءة الفيلمية تنصب أساسا على النص الفيلمي، و ليست مجرد استعراض للمعارف و المعلومات بشكل تراكمي. و هي بذلك تكون ممارسة ممتعة لأنها تجعل النص الفيلمي، ينصهر ضمن مجموعة من الانتاجات و الرموز و العلامات مع السعي إلى استكشاف الكيفية الخلاقة التي صاغ من خلالها السينمائي نصه الجديد.
على المستوى العالمي هناك نقاد سينمائيون تميزوا بهذه المقدرة التركيبية الهائلة، أخص بالذكر منهم هنا الناقدان الفرنسيان جون دوشي Jean Douchet و سيرج داني Serge Daney… و هما معا ناقدان كبيران تميزا بحضورهما القوي في قراءة الأفلام السينمائية و تفكيك عناصرها و أبعادها.. و بالمناسبة أشير إلى أن عامل الاستمرارية و المواكبة الدائمة للأعمال السينمائية هو أيضا عامل أساسي في النقد السينمائي و في القراءة الفيلمي الجادة.
أما في المغرب فان هناك أيضا بعض الأسماء التي تمكنت من أن تفرض نفسها بما تقوم به من عمل نقدي دقيق، يقوم على قواعد رصينة و على معرفة دقيقة بأدوات التحليل الفيلمي، و سأكتفي هنا بذكر اسمين فقط على سبيل المثال لا الحصر، هما الناقدان السينمائيان محمد بكريم و يوسف أيت همو… هناك نقاد آخرون نحترم كتاباتهم لكن المجال لا يسمح بذكرهم جميعا، مع الإشارة هنا الى أن ظروف عمل الناقد السينمائي عندنا هي ظروف صعبة، لذلك نجد بعض النقاد يتوقفون للأسف في بداية الطريق، و آخرون يتوقفون أو ينقطعون لفترة طويلة قبل العودة من جديد، مما يجعل عملهم متقطعا، موسميا، مما يجعل عنصر الاستمرارية و المواكبة عاملا صعب التحقيق على أرض الواقع. و مع ذلك لا يسعنا الا أن نرفع القبعة لمجموعة من النقاد المغاربة الذين يتحدون الصعوبات و الاكراهات، و يصرون على مواصلة الطريق، من أجل نقد سينمائي جميل، و من أجل سينما وطنية راقية متقدمة.

(يتبع)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.