إينا بابا كوليبالي..أيقونة موسيقى الفولاني في مالي

وادنون تيفي9 أغسطس 2023
إينا بابا كوليبالي..أيقونة موسيقى الفولاني في مالي
وادنون تيفي: محجوبة عدي

 

إستوقفني مقطع فيديو على موقع التواصل الإجتماعي “تيك توك” لمغنية مالية تصدح بأغنية “حسنا ويا ليلى” بصوت نقي وشجي كثيرا، نبراته تبدو مثل حبات من اللؤلؤ المتناثر فوق صينية فضية، ودفعني الفضول الأدبي للبحث عن سيرتها للتعرف عليها أكثر إلا أنني لم أجد مقالا واحدا عنها باللغة العربية وكل ما وجدته بضع مقالات باللغتين الفرنسية والإنجليزية تحتفي بفنها الراقي.

إينا بابا كوليبالي، مغنية فولاني بارزة تملك صوتاً وحضوراً إستثنائيَّين، هناك إختلاف حول سنة ميلادها، حيث تقول بعض المصادر إنها ولدت عام 1954، بينما يقول آخرون عام 1955، نشأت وترعرعت في منطقة نارا المتنوعة ثقافياً في منطقة كوليكورو بمالي والتي تشترك الحدود مع موريتانيا، موهبتها الموسيقية وحضورها الإستثنائيين أكسباها جمهورا مخلصا ومعجبين على نطاق واسع تعدى حدود البلد الذي تنتمي اليه، إلا أن صفتها الأخروية المتسامية هي التي جعلتها تتمتع بمكانة مرموقة في مالي وخارجه، حيث إشتهرت إينا بابا بتكريمها لقديس مرابوط الراحل “سيدي موديبو”، الذي تم تكريمه في مالي لتعاليمه وحكمته الروحية .

 

 

تميزت السنوات الأولى لإينا بابا بشغفها الكبير بالغناء، وهو الأمر الذي شاركته مع صديقاتها تحت ضوء القمر في قريتها الصغيرة، إلا أن هذا الشغف لم يستمر طويلا حيث تزوجت في سن مبكرة، ومنعتها أسرتها من متابعة الموسيقى، لأن الموسيقيين كانوا محبطين في مجتمعها، ورغم هذه العقبة، تشاء الأقدار أن يتم إكتشاف موهبتها عندما زار قائد ديلي قريتها وأمرهم بالمشاركة في مهرجان الإستقلال، فإختارتها قريتها للمشاركة وفازت رفقة عمها عازف الكمان بالمركز الأول بأغنيتها التي أصبحت معروفة بعد ذلك على نطاق واسع في جميع أنحاء مالي.

 

تروي إينا بابا: “عندما كنت طفلة في قريتي ، كنت أحب الغناء مع أصدقائي تحت ضوء القمر. تزوجت في سن مبكرة، ومنعتني عائلتي من الغناء، تم إحباط الموسيقيين هناك، وذات يوم جاء قائد ديلي إلى قريتنا وأمرنا بالمشاركة في عيد الاستقلال، مع عدد قليل جدًا من الموسيقيين، تم اختياري من قبل القرية للمشاركة رفقة عمي على الكمان وفازت أغنيتي بالمركز الأول وأصبحت معروفة في جميع أنحاء مالي “.

 

في منتصف السبعينيات، إستقرت المغنية الفولانية الشابة إينا بابا كوليبالي في باماكو لتحسين موسيقاها، وترددت على منزل أمادو جليبا، عازف نغوني الشهير الذي جاء من مسقط رأسه ديلي، وعلي فاركا توري ، التي كانت مستمعة مفتونة بأدائه في إذاعة مالي.

يقال إن الشابة الخجولة من مجموعة فولا العرقية لمسلمي غرب إفريقيا كانت لا تستطيع الجهر بصوتها في الجلسة، وإختارت الإختباء في الغرفة المجاورة والإستماع إلى هذين الموسيقيين الرائعين وهما يعزفان، وإستفادت من هذا المكان المختبئ لمرافقتهما في الغناء بهدوء، أعجب كل من علي وجليبا بصوتها ، وشجعاها على الإنضمام إليهما في تسجيل بعض الأغاني لراديو مالي، وفي الرابع من مارس 1975، تغلبت على خجلها وسجلت رفقتهما ألبومها الأول “الساحل” المتكون من أربع أغانٍ في يوم واحد فقط وتم إصداره من قبل وورلد سيركيت.

 

 

الألبوم يقدم مقاطع رائعة من موسيقى البلوز الصحراوية الجذابة والبسيطة، رفقة غناء كوليبالي البلوري المذهل في ما يقرب من سبع دقائق، وأغانيه تُغنى بلغة الفولاني الأصلية لكوليبالي، وتحكي كلماته قصة سائقي الماشية الشباب الشجعان الذين يدفعون قطعانهم من وإلى منطقة الساحل شبه القاحلة كل عام على أمل كسب عاطفة الفتيات المؤهلات في قراهم الأصلية.

تعتبر ألبوماتها بوثقة إنصهار ثقافي على حدود موريتانيا في منطقة كوليكورو في مالي، تسلط الضوء من خلالها على مجموعة من الموضوعات التي تتراوح من الأسرة والمجتمع والروحانية إلى الكبرياء الوطني والحب والسلام، حيث تبادلها الغناء بصوت ديناميكي إبنتها أوا بولو على أنغام عزف الغانباري (سونينكي العود) لكاندي سيسوكو ؛ وعزف الناي (الفلوت) الذي لا مثيل له لمادو تراوري ؛ وأخدود الهودو العميقة (فولا العود) التي يعزف عليها موديبو سيسوكو، نجل الراحل “الأسد العجوز” بازومانا سيسوكو، بالإضافة إلى الغيتار، والكالاباش، وطبل الفولاني الذي غالبًا ما يقترن بالفلوت أثناء الإحتفالات.

تؤكد مغنية الفولاني أنها ليست من يكتب أغانيها ولكنها مجرد وعاء تتدفق من خلاله، مسترشدة بمصدر أعمق وتتجسد من خلال صوتها الأصيل والمثير للذكريات، وبناءً على ذلك، تقدم البومات آسرة في توليفة جميلة من الموسيقى التقليدية التي تعكس الغنى الثقافي لمجتمعات الفولاني والسونينكي وبامانان والموريش التي تعيش بالمنطقة منذ إمبراطورية واغادو في القرن الرابع، ويعتبر “جيلي كاورال” الذي يعني الحب والسلام أول ألبوم كامل لها يتم إصداره دوليًا.

 

إينا بابا كوليبالي ، مغنية تحظى بإحترام كبير في مجتمع الفولاني في مالي، قدمت عروضاً مع أفيل بوكوم وفيوكس فاركا توري، ولديها إبنة وولد، إبنتها “أوا بولو” مغنية وكاتبة أغان، سارت على خطى والدتها وهي معروفة بموسيقى الفولاني التقليدية وشاركت والدتها في مجموعة من الأغاني وسجلت شريطين من إنتاج “Camara Productions Lobo”، وإبنها “مامادو كوليبالي” موسيقي ومنتج عمل مع والدته وشقيقته في عدة مشاريع.

أيقونة الموسيقى المالية التي تتمتع بصوت ذهبي، لم تحصل على أي تكريم من قبل، ومع ذلك، فقد كانت سفيرة للموسيقى المالية في جميع أنحاء العالم، وبالتحديد في فرنسا حيث أقامت لمدة عشرين عامًا، ولهذا تم إختيارها في 11 أبريل 2023 بناءً على إصرار اللجنة العلمية المحلية التابعة لـ BAROMETER DE FRANCE كواحدة من الفائزين بفرنسا في “حفل 22 سبتمبر 2022”.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.