بقلم: محمد النعمة بيروك
ما من شك أن مسابقة أمير الشعراء، التي تُقام كل سنة في الإمارات العربية المتحدة، منذ انطلاقها قبل ما يزيد على عقد من الزمن تقريبا، قد أنعشت بشكل ملحوظ الشعر العربي، على المستوى العام والإعلامي، وخصوصا القصيدة الموزونة، وبالأخص العمودية.
ولأن الكمال لله وحده، سنسرد هنا ثلاث مؤاخذات، عسى أن تكون هناك آذان صاغية يمكن أن تغيّر شيئا.
1- قبول الشعراء في المراحل الأولية:
هذه النقطة استعصى عليّ شخصيا أن أفهم آليتها، فالمقابلات الأولية فيها شعراء لا علاقة لهم باللغة العربية، ناهيك عن أن تكون لهم علاقة بالشعر، ووجودهم أمام اللجنة في الحلقات التسجيلية غير مفهوم، ولعل السبب هو أن اللجنة بنت استقبال الشاعر على القصيدة التي بعث بها إليهم بريديا في الخطوة الأولى، لكن وبما أنه قد اتضّح بأن “الشاعر” ليس شاعرا أصلا، فقد وجب اعتماد آلية أخرى، بالإضافة إلى النص المرسل، لا تقف عند الثقة في النص المرسل، كاعتماد مرحلة سرية غير مصورة تلفزيا، يتم فيها الاستماع للمترشح في لقاء مباشر عبر الأنترنت، مثل حالة كورونا، لكن بدون تصوير.
وإذا كان هذا الإجراء يصطدم بكثرة المرشحين، وجب البحث عن حلول أخرى كبدء استقبال الترشيحات في وقت مبكر، وتجنيد عدد أكبر من النقاد في المراحل غير المصورة، والبحث عن حلول غير تقليدية، بدل إهانة الشعر والمرشح، وانزلاق اللجنة للسخرية والاستهزاء من “الشاعر”.
1- آليات التصويت:
هذه النقطة بالذات أقصتْ الكثير من الشهراء في المواسم التسعة الماضية، وكان دائما الأفضل الذي تعترف له اللجنة بالأحقية، يتمركز ثالثا أو رابعا، لأن تصويت الجمهور يقلب المعادلة، ويستفيد في الغالب من هذا المعيار الشعراء الذين ينتمون للدول العربية الغنية، خصوصا وأن التصويت مدفوع نقدا، وهذه النقطة في حد ذاتها مهزلة حقيقية، بل العجيب أن شخصا واحدا يمكنه شراء آلاف الأصوات، ولا يفهم المرء أين الشفافية والعدل في هذا الإجراء الغريب.
2- النّقد:
طريقة النقد التفاعلية مع الشاعر فيها الكثير من التجاوزات، بعضها يتعلق بالشاعر وبعضها بالشاعر وبعضها يتعلّق بالشعر نفسه، مثلا:
أ- السؤال عن مقصدية الشاعر من قوله:
حين يسأل أحد النقاد الشاعر عمّا يعنيه بقول كذا أو كذا، يجد الشاعر نفسه مضطرا لحصر المعنى في اتجاه واحد فقط، وهو أمر مستغرب من أعضاء لجنة يُفترض أن يكونوا أوّل من يعلم بأن الشعر يخضع للتأويل وتتعدّد القراءات، والمفروض أن يحكم عضو اللجنة على قول الشاعر مما فهمه هو (أي عضو اللجنة)، وليس ما يقوله الشاعر المسكين الذي يجد نفسه مضطرا لشرح ما لا يُفتَرض أن يُشرح أصلا.
ب- الانزلاق إلى السخرية:
أشرتُ لهذه النقطة في الحديث عن المرحلة الأولى، فقد رأينا كيف تستهزئ اللجنة من بعض المتطفلين على الشعر، لكنها طالت أحيانا بعض الشعراء الذين حاولوا أن يقولوا شعرا، فكانت أشعارهم موزونة، وفيها إضاءات على مستوى المضمون، لكن بعض أعضاء اللجنة انزلقوا إلى السخرية الحادة، مع ضخحكات أحيانا، فكانت عبارات من قبيل “من قال لك إنك شاعر؟”، و”لا يمكن أن أجيز شاعرا يقول إن شعره خواء” مع ضحكة خفيفة، و”هذا ليس بشعر” وغيرها من العبارات القاسية، هذا بدا تشجيع الشاعر حتى وإن لم يُجز، والدليل على إمكانية تطور الشاعر هو أن اللجنة أجازت في مواسم لاحقة من استهزت بهم في مواسم سابقة.
ج- تأثر النقاد ببعضهم:
تخيّلتُ وأنا أشاهد بعض حلقات هذه المسابقة لو كان النقاد معزولين صوتيا عن بعضهم، ذلك أنك تلاحظ كمتتبع أن الرأي الأول يجرّ الباقين إلى نفس “الموقف” من الشاعر، وهذا لا يحدث كثيرا، لكنه يحدث، بل إن د.صلاح فضل آخذ د.عبد الملك مرتاض شكر إحدى القصائد، مما جعل هذا الأخير يسحب إجازته لأحد الشعراء المساكين.
الإجازة:
الإجازة، من وجهة نظري، ينبغي أن تتم في المداولات السرية للجنة، وليس في ختام اللقاء المسجل تلفزيا، خصوصا وأن الحكم على الشعر أمر خاص ونسبي، ويخضع للذوق وأحيانا لتوجه الناقد الشعري والأيديولوجي، والدليل تضارب آراء أعضاء اللجنة أحيانا بين مجيز وغير مجيز لنفس القصيدة، وخصوصا أيضا أن المستويات متقاربة، وكذلك الأذواق، وأيضا لتفادي العبارة القاسية “أنت ليست مجازا بالإجماع” في تسجيل تلفزي يراه الملايين.
ورغم كل هذه المآخذات فلا ينكر عاقل دور “مسابقة أمير الشعراء” في إنعلش الشعر الحقيقي، ووضعه في مكانه المرموق، ومكانته التي يستحق.