تعرض المهاجرين للعنف لا يقتصر فقط على المغرب بل ينتشرفي كل بقاع العالم
يلجأ العديد من الشباب الى الهجرة بحيث ينتقلون من موطنهم الأصلي إلى بلد آخر بنية بناء حياة جديدة والاستقرار هناك بصفة نهائية. ظروف وأسباب عديدة تؤدي إلى الهجرة منها الفقر، المجاعة والعجز عن اعالة الاسرة بالإضافة الى الحروب والصراعات المتواصلة، هذا ما دفع الاف الافارقة الى مغادرة بلدانهم نحو المغرب في شمال افريقيا، الذي يتميز بموقعه الجغرافي القريب من أوروبا والذي يرون من أرضه نقطة انطلاق الى حلمهم الاوروبي.
الا أن رحلتهم هذه ليست بالأمر السهل، بحيث يتعرضون لأبشع أنواع العذاب الجسدي والنفسي منذ بدء رحلتهم حتى وصولهم للمغرب، الا أن أغلبهم يقررون البقاء في المغرب فيتحول المغرب من بلد عبور الى بلد اقامة، وهنا تزيد معاناة هؤلاء المهاجرين الذين يخوضون الصعاب بحثا عن لقمة عيش ومكان يؤويهم. فيلجأ أغلبهم الى التسول و يتجولون في شوارع وأزقة المملكة، كما يروج أن منهم من يتهجمون إلى بيوت السكان لارتكاب الجرائم بما في ذلك اغتصاب النساء، الأمر الذي دفع بالمغاربة ينظرون اليهم بعنصرية ويتم تصنيفهم بالمجرمين.
وعند سؤالنا الباحث المغربي في علم الاجتماع عبد الرحيم عنبي، حول رأيه في هذه المسألة، أوضح بأن بنية المجتمع المغربي بنية عنيفة، وقال ” قبل أن نسال ان كان المهاجرين يتعرضون للعنف يجب أن نسأل أولا هل المغاربة يتعرضون للعنف من بعضهم البعض. فأكيد يتعرضون للعنف لأن المجتمع المغربي مجتمع عنيف وعنصري والدليل هو أن المجتمع المغربي مبني على التراتبيات العنصرية ” الشرفة، العبيد، اسمكان…” فهؤلاء المهاجرين عابري الصحراء يتعرضون لثلاث مستويات من العنف، الاول العنف الرمزي الذي نترجمه في لغتنا “بعزي” العوازة”. فحين أقوم ببحث ميداني وأسأل عن Subsaharienne لا يفهمون ويقولون “هل أنت تبحث عن “العوازة” ، وهذا شكل من اشكال الاقصاء. بينما المستوى الثاني من العنف مبني على الوصف السلبي للمهاجرين على أنهم حاملي للأمراض والفيروسات، بل ونعتبرهم السبب في ظهور السيدا، حيث نعطيهم صورة فيها نوع من العنف و الاقصاء، والمستوى الثالث من العنف فهو مادي، ويتجلى في اقصاءهم على مستوى السكن، فحين يبحثون عن المييت فيجدون فقط السكن الهش في الاحياء الشعبية، مما يعكس مدى الحدود التي نبينها بيننا وبينهم، وهنا أستحضر مقولة عبد المالك صياد الذي يتكلم عن المهاجرين، حيث نيقول “المهاجر هو خطر بالنسبة للمجتمعات التي تستقبله، وهو الخطر الذي يهدد النظام العام للبلد، حيث يرتكبون الجرائم ويغتصبوا النساء. ومن هذه الامور كلها نستنتج مدى عنف المجتمع المغربي تجاه المهاجرين.
كما إنتقد عبد الرحيم عنبي القائمين أسلوب معالجة هذه المسألة في المغرب وموقف المغاربة أنفسهم والجمعيات المغربية، مشيرا الى أن المسؤولين القائمين على معالجة مسألة الهجرة يعملون بطرق تقليدية، أي بمعنى توفير سكن وحماية للمهاجر، من دون محاولة تأهيله في المجتمع نفسه. وقال لابد أن نعمل أولا على المغاربة، لكي يغيروا من إنطابعهم وقناعاتهم حول مسألة الهجرة والمهاجرين، وهو الأمر الذي يتطلب وقت وجهد، ومن شانه في نهاية المطاف أن يدفع نحو الاشتغال على تقنيات التوعية، وتقنيات المواكبة النفسية والاجتماعية للمغاربة أولا ومن ثم المهاجرين.
وشدد على أهمية العمل الميداني لتحسبن نظرة المغاربة وتوسيع تقبلهم لنظرية قبولهم للأخر. واضاف، حتى نركز على هذه القضايا يلزمنا أولا أن نعمل على تحسين مستوى فكر وخلق المغارية ومستوى العلاقات فيما بينهم، بما في ذلك عبر الاعلام بعيدا عن اقحام الدين والثقافة في تحديد العلاقات مع الغير، وأعطي مثالا على ذلك،” اذا سألت المغاربة سيقولون أن السنيغاليين جيدون، لماذا؟ لانهم يربطنا معهم الاسلام، فبمجرد أنه يصلي بجانبه بالمسجد يقول أنه جيد ولكن ذاك الانسان غير المسلم يصورونه على أنه عنيف وغير جيد. ومثال آخر نلاحظ أن الأفارقة الذين يتحدثون بالإنجليزية هم من يعاني أكثر في المغرب، بحكم أنه لا يوجد تواصل ثقافي معهم كما يتم وصفهم بالعنف وإتهامهم بجلب المخدرات وإغتصاب النساء، وهذا ما يبني حدود ثقافية ودينية رمزية بينهم وبين الشعب المغربي”.
وعند سؤالنا عن تقديره لمسألة الاغتصاب، أوضح بأنه من الصعب التكلم عن هذا الموضوع ” لأنه يتطلب الحصول على معلومات بهذا الشأن من الشرطة القضائية، فنحن لا يتوفر لدينا احصائيات و لكن من خلال الاعلام نرى دائما أن حالات الاغتصاب من المغاربة بحد ذاتهم.” وأكد على أن موضوع الهجرة هو مسؤولية الدولة المغربية بالدرجة الأولى، وليس الجمعيات المسترزقة التي أصبحت تتسابق فيما بينها لإمضاء عقود أو اتفاقيات مع الوزارة لأخد المال لينفقوه على مسائلهم الشخصية وليس على مشاريع تحسين وضع وتأهيل المهاجرين. واضاف ” للأسف الدولة تعطي المال ولا تقوم بالمتابعة والمحاسبة. فالسياسات الهجروية هي مسؤولية الدولة وبالتالي يجب احداث ادارات ومؤسسات الدولة وموظفين عاملين اجتماعين يقوموا بتنفيذ هذه السياسة”
وذكر “إن ادماج المهاجر الافريقي عابر الصحراء يتطلب تنفيذ عدد من المشاريع المعنية، ولا سيما وأن المهاجر نفسه هو حامل لمشروع وبالتالي يجب ان تعمل الدولة معه لتحقيق المشروع الذي يحمله، ودور الجمعيات هنا فقط ينحصر في الاعمال التطوعية، لا سيما في مجلات التنشيط الاجتماعي والثقافي والترفيه عن هؤلاء المهاجرين.
وعلى صعيد أخر، أقرت جميلة أيت بلال بوجود لأشكال من التمييز ضد المهاجر في المغرب، لكنها اشارت بأن هذا ليس في المغرب فقط بل في كل بقاع البلدان، ونوهت إلى أنه ورغم أن التمييز العنصري ضد المهاجر لازال حاضرا بشكل متفاوت وباشكال مختلفة حول العالم، إلا أن المغرب وبإعتباره بلد مسلم، فيتعين عدم التفريق وممارسة المساواة، مستندة في ذلك على قول الرسول “لا فرق بين عربي ولا اعجمي ولا أبيض ولا اسود الا بالتقوى” وقالت إن حديث الرسول صلى الله عليه وسلم هذا يعد خير دلالة على عظمة ديننا ويشكل خريطة طريق حول كيفية التعامل في هذا العالم خصوصا فيما يتعلق بحقوق الانسان، فالإسلام كان سباقا قبل ظهور الحركة الحقوقية، ولكن رغم ذلك لازلنا نعاني من التمييز في جميع أنحاء العالم، ولكن كبلد مسلم كان من الممكن أن نكون ارقى مما نحن عليه”
وأكدت على أنه ورغم عدم تأهيل الجمعيات المحلية في المغرب إلا أنها تبذل جهود ومساعي جبارة لمساعدة هؤلاء المهاجرين. وأعطت مثال قائلة “خضنا تجربة رائدة و مبادرة شجاعة سنة 2012 تحت شعار “تمكين مهاجر”، التي كان هدفنا مساندة النساء من أصل افريقي، بتمويل من الاتحاد الاروبي وبشراكة مع جمعية “أرض البشر الاسبانية” و جمعية “Gadem ” الحقوقية بالرباط.”
وذكرت “الجمعيات حاولت بجد العمل و مساعدة هؤلاء المهاجرين، وخير مثال على ذلك جمعية « Gadem » التي تتولى عملية تلقى الشكاوي من المهاجرين وترصد الخروقات التي يتعرضوا لها، و نحن من جانبنا كنا نتابع جملة هذه التقارير التي في الغالب كانت تعكس مدى انواع الاعتداءات التي يتعرض لها المهاجرين، من تعذيب وضرب وشتم، وسرقة لأموالهم وممتلكتنهم، وهو الأمر الذي نعارضه بشدة لأنه لا يتماشى مع مبادئ القانون وحقوق الانسان، وكنا نحذر من نتائج التعامل بالعنف معهم، لان العنف لا يولد الا العنف وهذا ما اكدته لنا التجارب بعد ذلك، فمؤخرا أصبحنا نسمع عن بعض الوقائع التي وجه اللوم عنها بالكامل إلى المهاجرين وإعتبر خلاله المغاربة ضحايا”.
كما تطرقت للظروف والتحديات الصعبة والمأساوية التي يعاني منها المهاجرين، لا سيما المتجسدة في صعوبة إيجاد المأوى والغداء وتسوية الأوضاع القانونية، الأمر الذي يدفع بالمهاجرين عادة للجوء الى التسول للحصول على لقمة عيش، ومنهم من استطاع أن يعمل كبائع متجول، واشتغل في بيع مواد التجميل، أما بالنسبة للحاصلين على الاقامة فهناك نساء يشتغلن في البيوت.
ومن جانبه أشار الحسين بكار السباعي رئيس مرصد الجنوب لحقوق الاجانب والهجرة ومحام بهيئة المحاميين و العيون، إلى وحود ما يقارب 255 مليون مهاجر يعيشون خارج اوطانهم وهو ما يجعل هذا الملف مليئ بالتعقيدات المأساوي للمهاجرين، وعلى قدراتهم في المساهمة في الناتج الداخلي العالمي الذي يناهز 9 في المئة من الناتج الداخلي العالمي بشكل عام. وتطرق الى كتاب “دور ومكانة مغاربة العالم في جهة سوس ماسة” للخبير الدولي في قضايا الهجرة وحقوق الانسان السيد محمد شارف، والذي يستعرض فيه الإشكالات الجوهرية لمشكلة الهجرة وإرتباطها في التنمية، وقال “هنا نستوعب ان معالجة الملف يقتضي بذل كل الجهود وانخراط كل المؤسسات. فالمغرب عالج الملف ببعده الإنساني بعد توصيات المجلس الوطني لحقوق الانسان، ووضع استراتيجية وطنية للهجرة واللجوء، وأتم تنفيذ برنامج لتسوية اوضاع المهاجرين خلال عامي 2014 و 2017، كما اعتمد المغرب برامج لدمج المهاجرين في إطار من الشراكة ما بين الحكومة والمؤسسات التشريعية والمجتمع المدني.
وفي ما يخص إجراءات الترحيل التي تتخذها السلطات المغربية يقول:” من وجهة نظرنا هي نفس الرؤية التي نرى بها ترحيل المهاجرين المغاربة من اوروبا وباقي دول العالم الى المغرب، من جهة اخرى يجب ان نعلم ان الترحيل هو مبدأ في سياسة دولة ولا مكان للعاطفة في السياسة، الدخول الغير القانوني لتراب اي دولة في العالم يرافقه في أغلب الحالات ترحيل لدولة الانطلاقة، فيما يخص ترحيل المهاجرين جنوب الصحراء، فهو سياسة لا تقوم على الجانب المغربي فقط، تؤطره اتفاقية العودة، المغرب، الاتحاد الأوربي وبعض دوّل جنوب الصحراء وقعوا اتفاقا للعودة وبالتالي لا ارى انه من حق المغرب القفز على القاعدة التي قامت عليها الاتفاقيات الثنائية، قد يقول قائل حق المهاجر في التنقل، وانا اتفق معه ومن حق كل انسان ان ينتقل ويهاجر، وأطرح السؤال بطريقة أصح كيف نرى انغلاق الاتحاد الأوربي على نفسه وجعل السفر اليه لا يكون الا بتأشيرة في حين يستطيع مواطنون الاتحاد السفر لدول الجنوب دون تأشيرة، كيف نرى سيطرة وقوة القوى الاقتصادية على السياسات الانسانية”
وأضاف “ألخص الجهود التي يقوم بها المغرب في محاربة الهجرة غير القانونية في محورين، الاول ما يخص المهاجر وكما اشرت في البداية عملية التسوية ومنح المهاجر بطاقة إقامة وحقوقه المعترف بها حسب الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، وذلك لإخراج هذا المهاجر من خانة الجرم، ولا ننسى ان دخول أي دولة في العالم دون ترخيص منها هو بمثابة جريمة، وهنا المشرع المغربي تجاوز الصاق الجريمة للمهاجر واعتبره ضحية لشبكات الاتجار وتهريب البشر. أما المحور الثاني فيتجسد في سن المشرع المغربي عقوبات وغرامات مالية لكل شبكات الاتجار وتهريب البشر. ولا بد أن أتطرق هنا للجهود المتميزة التي بذلها المغرب عبر ترأسه للمنتدى الدولي للهجرة والتنمية بالإشتراك مع ألمانيا 2018، ودعوة جلالة الملك للاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوربي الى بلورة وصياغة خطة عمل أفريقية بشأن الهجرة”.
وصرح محمد أعراب رئيس الهيئة المغربية لحقوق الانسان كشيرا إلى أن قضايا الهجرة و المهاجرين من ضمن الاهتمامات التي تعطيها أهمية خاصة من طرف الهيأة. يقول: “العالم يعرف حركية في مجال الهجرة و تتطرح مجموعة من الاسئلة والقضايا حولها سواء بالنسبة لأوروبا أو بالنسبة لأمريكا أو افريقيا فالهجرة أصبح موضوعا له أهميته و راهنتيه و يستدعي من المنتظم الدولي ان يكون له سياسة في مجال الهجرة تحترم حقوق الانسان”
وقال ” كما نعلم فالمغرب استضاف مؤخرا المؤتمر الدولي حول الهجرة بمدينة مراكش شهر دجنبر و الذي انبثق عنه ميثاق عالمي للهجرة و لكن للأسف أن هذا الميثاق ليس ما تطمح له الحركة الحقوقية لان أولا ليس ميثاقا ملزما للدول التي تعطى لها الحرية في تطبيقه أو عدم تطبيقه، ثانيا أن هناك داخل المنظم الدولي انقسام بين من يتفق مع الميثاق ومن يعارضه ومن لا يريد التوقيع عليه كما هي أمريكا و البرازيل”
وأضاف ” نحن في الهيئة المغربية للانسان و على صعيد جهة سوس ماسة، واجهنا مشكل الهجرة من خلال تواجد عدد من المجموعات المهاجرة من افريقيا من مختلف الجنسيات في أكادير وتزنيت، مما خلق عدد من الأسئلة القانونية الحقوقية المتعلقة باحترام الكرامة الانسانية، وتوفير وسائل عيش لهم كسكن وتعليم أطفالهم وتجنيب نسائهم للعنف.
ويبقى ملف المهاجرين من دول جنوب الصحراء موضوع جدل في المغرب، خصوصا و أن الآلاف منهم اختاروا الاستقرار في المغرب، كما انه سبق للمغرب أن اطلق عملية تسوية للأوضاع القانونية للمهاجرين غير شرعيين، مما مكن أنداك 18 الف مهاجر منهم تسوية أوضاعهم، كما استفاد 25 ألف منهم من نفس الخدمة سنة 2016، فرعم عم كل هذه الجهود الا أن المهاجرين أبناء القارة السمراء مازالوا يعانون من التمييز والعنصرية بالإضافة الى المعاناة في ايجاد ملجأ ومسكن يأويهم.