البحث في تاريخ تغمرت يشبه البحث عن الكنوز الدفينة، تلك الارض الطيبة مليئة بالاسرار الدفينة والتاريخ المنسي، والباحث فيها يجد متعة لا متناهية عندما يكتشف بأن هذه المنطقة تزخر بالكثير من الآثار التي صارت يبابا ودفنت معها الكثير من الحقائق التاريخية التي لا زلنا نجد بقياها في الرواية الشفهية وفي القليل من المخطوطات الناذرة التي تعطينا بعض الاشارات القليلة على وجود مدن وقصبات تحت اكوام التراب .
الصورة ل”ݣصر لعرب” أو قصر العرب، وهو مكان تاريخي لم يبق منه إلا أكواما من التراب.
ويعتبر قصر العرب الموجود جنوب مدرسة الشريف الادريسي بتغمرت بالمنطقة المحاذية لأݣرسواك شرقا، ناحية دار الزروال، أول موطيء قدم لقبيلة أيت مسعود بتغمرت، فمنذ قرون عديدة اشترى سالم وحمو تلك الرقعة الجغرافية من قبيلة اديهدى واستقر بها بعض عائلات قبيلة أيت مسعود منذ القرن السادس عشر الميلادي تقريبا، وبنوا بها قصبتهم الاولى بالمنطقة، وقد أغراني البحث عن هذه الحقائق وتتبعت الكثير من خيوطها، خصوصا عندما سمعت بأنه كان هناك مسجدا ، مما جعلني أتقفى أثره عند وزارة الاوقاف، ووجدت فعلا بأن هناك مسجد إسمه مسجد “قصر العرب” الذي انتقلت أوقافه في منطقة ايت الخنوس والمناطق المحيطة الى المسجد العتيق بأيت مسعود ولازال الاخير يحمل نفس الاسم.
في تحرياتي عن المسجد وقصر العرب وجدت بأن سبب دمار هذا المسجد واندثار القصبة كلها يعود الى الفيضان الكبير الذي عرفته منطقة وادنون بعد نهاية القرن السابع عشر، ولعل انتقال ملكية هذه الرقعة من يد اهل سالم وحمو الى أهل الزروال قياد ايت مسعود في القرن التاسع عشر يوحي بالتوسع الجغرافي لقبيلة ايت مسعود بعد الفيضان الكبير وانهيار إمارة ابو حسون السملالي المعروف ببودميعة,
ولعل السؤال المحير الذي شغل بالي منذ اكتشاف هذه المعلومات هو لماذا سميت هذه القصبة ب “ݣصر لعرب” ..؟
هل يدل ذلك على أن هناك سكان وافدين جدد سكنوا المنطقة في ذلك الوقت وسموا بالعرب من طرف قبائل أمازيغية محيطة ؟
وهذا يجعلنا نشكك في رواية فانسان مونطاي الذي أشار في كتابه “تقييدات حول تكنة” إلى أن قبائل أيت بلة تنتمي إلى الجد عثمان بن مندي عامل مدينة نول لمطة إبان الحكم المرابطي.
هذه الرواية التي تبناها بعده الكثير من الباحثين المتأخرين بشكل يثير الاستغراب وكأنها من الثوابت التي لا تناقش البتة، بالرغم من أن هذا الباحث الكولونيالي الفرنسي لم يشر لمصدر المعلومة ولم يحيلنا على أية وثيقة تثبت ما ذهب إليه.
وهنا تبرز الرواية الشفهية التي تصل لحد التواتر بأن قبائل أيت بلة تنتمي للجد جعفر ابن أبي طالب المكنى بجعفر الطيار، ولهذه الرواية ما يؤكدها من إشارات كثيرة تدل بأن هذه القبائل هي قبائل عربية وافدة على المنطقة.
ومن أبرز هذه الاشارات هي وثيقة “مالكية تيسة”؛ هذا المخطوط المؤرخ بتاريخ 680 هجرية والذي بموجبه اشترى خمسة من أبناء مسعود أرض تيسة التي كانت أول موطيء قدم لقبيلة أيت مسعود في منطقة وادنون، وقد تزامن ذلك مع دخول المعاقلة العرب لمنطقة وادنون، مما يقوي الرواية الشفهية عند قبائل ايت بلة الذين يقولون بأن جدهم بلة قدم من مدينة توات بمنطقة ادرار الجزائرية مرورا بتامدولت وتامنارت ثم تغجيجت وصولا الى تييرت التي دفن بها ولازال قبره موجودا ومعروفا الى الآن ب ” دادا بلة” .
وما يقوي هذه الرواية هو تزامنها المطلق مع التواجد المعقلي بالمغرب الكبير وانتشارهم في المناطق الشرقية وصولا الى منطقة وادنون في القرن 13 الميلادي.
ولعل في هذه الرواية ما يبين تلك الحقائق وآثار الرحلة البلاوية لازلت موجودة في هذه المحطات.
إنه التاريخ المنسي الذي يحتاج الى نفض الغبار عنه، ولن يتأتى ذلك إلا بتضافر جهود أبناء المنطقة وليس بباحثي الفضاء الخارجي، وما حك جلدك مثل ظفرك.