يعد شرب الشاي من الطقوس اليومية للعديد من الشعوب، وتجعلنا العادة ننظر إليه كمكون غذائي، يرتبط بإفطار أو فترة إستراحة أو تعارف أو نقاش ما… وله سياقه حسب كل ثقافة. ويحضر الشاي داخل المجال المغاربي باعتباره الموحد بين الناس، في الأعراس والولائم والعمل… وأن ترفض دعوة أحدهم على كأس شاي، معناه، عدم التجاوب أو الرفض القاطع للتواصل معه، والإيجاب، أي قبول هذه الدعوة، يعد بداية لتواصل يشمل مختلف مناحي الحياة اليومية.
إن كأس الشاي بذاته لا يحمل أي قصدية، لكن عندما يستعمل في التواصل اليومي، يصبح رمزا محملا بدلالة الخير والخصب والنماء، وللكأس في الذاكرة الإنسانية تاريخ، فهو كأس الإلهة عشتار، الذي تحمله وترفعه بيدها، ويتدفق منه الماء، وهي إشارة للخلق الكوني من الماء، وبداية الحياة الحيوانية. فالمغاربي عندما يرفع يديه وصوته أو يوجه لك رسالة ويدعوك إلى جلسة شاي، بمقهى أو منزل أو باحة… فهو لا شعوريا يعيد طقسا ينتمي إلى ذاكرة أسلافه البعيدة والمخزنة في اللغة، والتي تترجم بإعتبارها أفعال في حياتنا اليومية، فكأس الشاي هو كأس الود والصداقة والمحبة والحوار… أي فعل خير، ينمي الحياة ويجعلها أفضل، أما الرفض فما يوازيه، هو الكراهية والبغض والحقد والعنف.
وقد اعتاد الرهبان في اليابان أن يقيموا طقس الشاي أمام صورة مؤسس مذهبهم “بوديدارما “، ويجهزون كل ما هو ضروري لهذا الطقس بدءا من بيت الشاي والحديقة التي تحيط به والممر الذي يؤدي إليه، والذي يعطي انطباعا بالبساطة والصفاء والنقاء، في ضوء ملطف محاط بالصمت، ولا يسمح إلا بخرير الماء، وصوت الماء الذي يغلى في مغلاة، وترتب باقي المتطلبات من أباريق بدقة متناهية، مما يجعل الإنسان يحس أنه أمام طقس ديني وليس إحتفالي.
تناولت هذا الطقس الكثير من الكتابات بلغات مختلفة من بينها كتاب: الشاي الصحراوي، درس التاريخ وسياقات التغير الاجتماعي، لأحمد البشير ضماني.
الكتاب من إصدار المركز الثقافي العربي وقد سبق أن صدرت له طبعة مختصرة في خريف سنة 2012 عن منشورات دار مليكة بالدار البيضاء معززة بصور الفنان الفوتوغرافي الفرنسي ،هرفي نيغر، وبدعم من وكالة الإنعاش والتنمية الاقتصادية والاجتماعية في أقاليم الجنوب بالمملكة، تحت عنوان “الشاي بالمغرب الصحراوي من الغرابة إلى الأصالة” ضمن سلسلة «تاريخ ومجتمعات المغرب الصحراوي».
يقع هذا الكتاب في 432 صفحة من الحجم المتوسط، معززا بالعديد من الوثائق التاريخية لعائلات تجارية صحراوية لم يسبق أن تم نشرها تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، وباستشهادات من مجموعة من البحوث والمراجع التاريخية والدراسات الإجتماعية إلى جانب روايات الرحالة وقصص المغامرين وملاحظات المستكشفين الأوروبيين الذين ترددوا على هذه المنطقة قبل الحقبة الإستعمارية و أثناءها.
ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أقسام يتضمن كل منها ثلاثة فصول، وينتهي بخلاصة:
_ القسم الأول:رحلة الشاي حيث تناول الكاتب أصل الشاي وكيف وصل الى الصحراء من الصين و الأحداث التاريخية التي صاحبت هذه الرحلة ودور الصحراء ووادنون في تجارة الشاي نحو أعماق إفريقيا.
_القسم الثاني:طريقة إعداد الشاي الصحراوي ومستلزماته وقواعد تحضيره و شربه.
_القسم الثالث: دراسة العادة والمجتمع ،وتناول الكاتب كيف تحول المشروب في الصحراء من الحليب الى الشاي والذي كان مشروب الأغنياء وأصحاب الجاه قبل أن ينتشر في المجتمع بسبب تغير القيم فأصبح رمزا وثقافة في كل خيمة ومنزل.
وقد جاء في المقدمة بأنه: ” إذا كان كل مجتمع يميل إلى تنظيم مجموع ممارساته حول مشروب رئيسي، الذي قد يبقى الوحيد ، فيصاحب و يطبع بالتالي كل أشكال العلاقات بين أفراد ذلك المجتمع، فإن إدخال مشروب جديد هو بالنسبة للأنتروبولوجي وضع مثير للإهتمام، إنه يبرز بجلاء مجموع دلالة الشرب، فالمشروب الغريب يقود دائما إلى إعادة تصنيفه في كل مرحلة من مراحل انتشاره، وصولا إلى تعميمه الذي هو إعادة تشكيل لعالم الممارسات و إعادة توزيع للمعاني، لذلك فإن اختيار الشاي ليكون مشروب الاستقبال بهذه المنطقة، أثناء فترة تاريخية محددة شهدت تحولات سياسية و سوسيو اقتصادية حاسمة، قد أحدث انقلابا جذريا في تفاصيل الحياة اليومية لمجموعات بشرية كاملة، شكلت معه قواعد إعداده و تقديمه محورا في تنظيم العلاقات الاجتماعية و غدت فترات تناوله الجماعي إحتفالا طوباويا يجسد القيم الإيجابية في المجتمع، مما كان ملفتا لنظر الباحثين، خصوصا و أن الإنفصال الجغرافي و الثقافي عن البلد المنتج و عن الوسيط التجاري لم يمنع تبني المشروب و أدواته إلى حد الدمج الكامل في الثقافة المحلية و منحه صفة الأصالة من خلال إضافة مواد معطرة و إحاطة تناوله بطقوس محددة عليها إجماع كامل و إعادة إنتاج أدواته المستوردة و إبداع أدوات جديدة، و جعله في مقدمة ضروريات العيش التي لا يمكن التخلي عنها مهما كانت الظروف و الأحوال، بعد المرور بمراحل انتشار متتالية، أعطي له في كل مرحلة منها تصنيفا مختلفا” (ص 7)
وبإختصار فإنك بعد قراءة الكتاب سوف تتغير نظرتك الى الشاي كمشروب يومي ومناسباتي لترى كأس الشاي كبوابة ورائها تاريخ وثافة وقيم ومعلومات تستحق التأمل والتفكير ..يقول الكاتب:”.. عبر وادنون إنتشرت عادة تناول الشاي جنوبا وقد كان لهذه المنطقة تجارة داخلية كبيرة جعلت منها ملتقى القبائل الرحل في الساقية الحمراء وأبقتها على إتصال دائم بتمبوكتو وشكلت طوال القرنين 18 و 19 نقطة تجمع كبريات القوافل المتوجهة الى ما وراء الصحراء…”
قرعة كأس إفريقيا .. مجموعة المغرب تشمل مالي وزامبيا وجزر القمر الأسباب الحقيقية وراء اختناق خمسة عمال في نفق سد المختار السوسي: من المسؤول؟ منتدى إلهاميات للثقافة.. يومان من الأنشطة المتميزة بمناسبة رأس السنة الأمازيغية الملك يهنئ رئيسة الهند بالعيد الوطني احباط مخطط إرهابي وتوقيف 4 متطرفين بحد السوالم المرصد الوطني للشباب الملكي والإعلام يحتفي بالسنة الأمازيغية 2975 النيابة تتابع منتخبين ومسؤولين بمدينة سيدي قاسم في ملف تحويل مركز استقبال ممول من المبادرة الوطنية إلى فندق لسهرات الشيخات لاعبين دوليين أفارقة سابقين سيحضرون قرعة “كان المغرب” وفاة 17 قتيلا نتيجة مرض غامض بالهند كي مرات المنحوس ما هي مطلقة ما هي عروس