الكائن المغربي.. وعبر الزمن.. تميز بعدة خصائص كما باقي الأجناس على وجه البسيطة.. لعل من ابرز هذه الخصائص انه “زهواني”.. يحب أن يعيش اللحظة.. أن يفرح.. يسعد.. يرقص.. متى ما أتاحت له الحياة فرصة ذلك.. مناسباته.. لقاءاته العائلية الخاصة.. فأعراسه وأفراحه لا يسدل ستارها في يوم أو ليلة.. بلا ثلاث أو سبع.. أنشطته الموسمية من فلاحة وتجارة وسفر.. ختامها كان دائما الاحتفال والفرح والغبطة.. احتفالا بالأرض.. والمطر.. بالعطاء والخير.. يعبر عن شكره لله وعطاياه له ب”الزهو والنشاط”.. فدائما ما كان الاحتفال والرقص.. إيقاعا مجتمعيا قويا ومتينا.. يساهم في تقوية لحمة المجتمع.. أو القبيلة والعشيرة.. في مقاومة لروتين الحياة.. وهي خصلة –صراحة- ميزت عدة أجناس أخرى.. ولو بتفاوت وأنماط متعددة.. وهذا منذ عصور.. حيث وشت لنا الرسومات على جدران كهوف أجدادنا في العصر الحجري.. بتوفرهم على أدوات ووسائل كانت وسيلة للهو واللعب والترفيه.. هل كان لهم أيضا روتينهم ومشاكلهم في الحياة؟؟ ربما.. وهذا كان منوال شعوب العصور الموغلة في القدم.. قبل التاريخ وبعده.. قبل الميلاد وبعده.. قبل الإسلام وبعده.. .. فراعنة..مع صبيب نيلهم العجيب.. إغريق ورومان.. وألهتهم التي كانت تقام الاحتفالات بأسمائها…. الفرس والعرب.. كانت المسارح.. والمهرجانات.. والفنون.. الموسيقى والرقص.. الرياضة..ملعب الأولمبيا.. والأدب والشعر وسوق عكاظ.. من روما.. أثينا.. والمدائن..إلى دمشق وبغداد.. وهلم جرا عبر التاريخ والجغرافيا.. في السلم والحرب.. في الغنى والفقر.. في الحل والترحال.. في كل زمان ومكان..
ولكن… وفي العصر الحديث.. وبالتحديد في زمن التقدم والتكنولوجيا لدرجة الخيال.. يظهر أننا لم نعد نريد تحدي الملل.. لا نصبو للفرح.. ولا نبحث للرقص سبيلا.. نرفض السير على منوال أجدادنا البدائيين… ولا ندري هنا صراحة من البدائيين منا.. نحن أم هم.. أصبحنا قبل الرقص.. نستحضر قاموسا مدهشا اخترعناه من بنات أفكارنا العجيبة التي لا تنضب.. قاموسا من قبيل الأولويات..الأخلاق.. السلوك.. الالتزام.. الدين.. الحرب.. السلم.. قبل أن “تزهى” صديقي.. احسبها أولا.. وضع زهوك ونشاطك وسط هذه الحسابات.. واحسب خارج حسبتك.. هل يسمح لك بالرقص أم لا.. كم كان أجدادنا أغبياء.. كانوا مغفلين.. حمقى وبلداء.. كيف سمحوا لأنفسهم بممارسة طقوس الرقص والفرح والغناء.. وتاريخهم كله حرب.. وغزو.. وصراعات.. وفقر ومجاعات.. الم يظهر بينهم نجباء وأذكياء مثلنا.. ينصحونهم بالتخلي عن فرحهم وغبطتهم.. والاقتصار على العمل والجد والإنتاج.. الاهتمام بالعلم والعلماء.. بالذرة وانشطار النواة.. وبالمقابل قتل الشعراء والزجالين.. إعدام الفنانين.. وكل من سولت له نفسه ارتكاب جرم “الفرح والسعادة”..
عجيب أن يتحول فعل الفرح والفن والرقص عند البعض.. ذريعة لعيش الكآبة والشكوى وممارسة التقية والزهد عند البعض الآخر.. حقيقة نحن في حاجة أن نضحك.. نفرح.. نغني.. نمتطي المسارح.. نصيح.. نفجر الطاقات.. كما باقي الشعوب العادية.. المتقدم منها والمتأخر.. الشعوب الراقية التي تسمح بالإبداع.. ولا تئده في قبر تحفه أفكار بتموقعات فقدت بوصلة العقل.. أفكار لا هي محافظة متمسكة بالقديم.. لان من سبقوهم كانوا أكثر انفتاح على التغيير منهم.. ولا هي معاصرة تساير تطور جيل ثائر يعيش ويحمل جينات زمنه.. جيل المهرجانات والتجمعات والإبداع.. جيل البهجة والانشراح.. يصفق مع هذا.. ويغني مع الآخر.. بكلمات يحس بها.. وتعبر عنه.. في تفاعل وحماس.. دون تمييز في الجنس.. أو السن.. أو الطبقية.. وهذا ما يساهم في بناء إنسان/مواطن حر.. يتجاوز جدار الاديولوجيات.. براغماتي وطموح.. لا مجال لكبحه بفرض الرأي الواحد.. في ممارسة بئيسة لأستاذية مقيتة تريد دفعنا للهروب وسط الأزمات.. والعيش في البكائيات.. وانتظار من يرثينا.. كضحايا لواقع أليم.. كانت ستصلحه –حسب رأيهم البئيس مثلهم– أموال المهرجان لو فرقناها على بعضنا البعض..